الاثنين، 15 يونيو 2009

أحكام الدفن والمقابر في الشريعة الإسلامية | جمع : إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يموت ، تفرّد بالديمومة والبقاء، وتفرد بالعزة والكبرياء، وطوّق عباده بطوق الفناء، وفرقهم بما كتب عليهم من السعادة والشقاء، نحمده – سبحانه وتعالى - ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد القائل ((أكثروا من ذكر هادم اللذات ــ الموت )) .
ثبت في الحديث الصحيح عَنْ مَوْلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه , قَالَ كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا الْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ)) .
مرّ علي - رضي الله عنه - بالمقابر فقال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، وإنا بكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر الموت والمعاد وعمل للحساب. ثم قال: يا أهل القبور، أما الأزواج فقد نكحت، وأما الديار فقد سُكنت، وأما الأموال فقد ُقسمت، هذا خبر من عندنا، فما خبر من عندكم؟ مالي أراكم لا تجيبون؟ ثم التفت إلى أصحابه - رضي الله عنه - فقال: أما إنهم لو تكلموا لقالوا وجدنا أن خير الزاد التقوى.. فبكى- رضي الله عنه- وأبكى أصحابه.
وإذا كان الموت هو مصيرنا , والقبر هو مضجعنا , فإنه لا بد من الوقوف على بعض أحكام الدفن والقبر , والتعرف على صحيحها من بدعها , فنقول وبالله نستعين :أولا : يجب إعماق القبر، وتوسيعه، وتحسينه؛ ليُؤمن على الميت من السّباع، ومن خروج رائحته:عن هشام بن عامر قال: لما كان يوم أحد أصيب من أصيب من المسلمين وأصاب الناس جراحات فقلنا : يا رسول الله! الحفر علينا لكل إنسان شديد, فكيف تأمرنا؟ فقال: "احفروا وأوسعوا وأعمقوا وأحسنوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا" وفي رواية عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : انظروا أيهم أكثر جمعا للقرآن فقدموه في اللحد. . قال: فكان أبي ثالث ثلاثة وكان أكثرهم قرآنا فقدم . أخرجه أبو داود، والترمذي والنسائي، وصححه إسناده العلامة الألباني : في "أحكام الجنائز وبدعها"(ص 182. وفي رواية عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين والثلاثة في اللحد .
صفة الشق : أن يحفر في وسط القبر حفرة على قدر الميت ، ويُبنى جانباها بالطوب اللبن حتى لا تنضم على الميت ، ويوضع فيها الميت على جنبه الأيمن مستقبلاً القبلة ، ثم تسقف هذه الحفرة بأحجار أو غيرها ويرفع السقف قليلاً بحيث لا يمس الميت ، ثم يهال التراب . ويجوز الشّقّ؛ لجريان العمل عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :فعن أنس بن مالك س قال: "لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجل يَلْحَد، وآخر يُضَرِّح، فقالوا: نستخير ربّنا، ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلَحَدوا للنبي صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد، وابن ماجه، وهو صحيح.فالشاهد من الحديث قولهم: "يُضَرِّح": وهو الحفر والشّقّ في وسط القبر.قال النووي : في "المجموع"(5/287): "أجمع العلماء أن الدفن في اللحد والشق جائزان، لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل لما سبق من الأدلة، وإن كانت رخوة تنهار فالشق أفضل".
وصفة اللحد : أن يحفر في أسفل جدار القبر الأقرب إلى القبلة مكاناً يوضع فيه الميت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، ثم تسد هذه الحفرة بالطوب اللبن خلف ظهر الميت ، ثم يهال التراب .واللحد والشق جائزان بإجماع العلماء ، غير أن اللحد أفضل ، لأنه هو الذي فُعل بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، روى مسلم (966) أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مات فيه : (ألحدوا لِي لَحْدًا ، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا ، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/188) : " َالسُّنَّةُ أَنْ يُلْحَدَ قَبْرُ الْمَيِّتِ , كَمَا صُنِعَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ".وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (5/252) : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الدَّفْنَ فِي اللَّحْدِ وَفِي الشَّقِّ جَائِزَانِ , لَكِنْ إنْ كَانَت الْأَرْضُ صُلْبَةً لَا يَنْهَارُ تُرَابُهَا فَاللَّحْدُ أَفْضَلُ , وَإِنْ كَانَتْ رِخْوَةً تَنْهَارُ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ " ، وقد روي عن عمر رضي الله عنه قال: إذا جعلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض، ويدنى من الحائط لئلا ينكب على وجهه . ويسند من ورائه بتراب لئلا ينقلب . وقال ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/360) : " ولكن إذا احتيج إلى الشق ، فإنه لا بأس به ، والحاجة إلى الشق إذا كانت الأرض رملية ، فإن اللحد فيها لا يمكن ؛ لأن الرمل إذا لحدت فيه انهدم ، فتحفر حفرة ، ثم يحفر في وسطها ثم يوضع لبن على جانبي الحفرة التي بها الميت ؛ من أجل ألا ينهد الرمل ، ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات " . عند وضع الميت في قبره لا يشق عن كفنه، فلم يرد الشرع بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" رواه مسلم. ومعلوم أن شقه وتخريقه يذهب بحسنه، وأما حل العقد من عند رأسه ورجليه فمستحب لأن عقدها كان للخوف من انتشاره، وقد أمن ذلك بدفنه، وقد روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أدخل نعيم بن مسعود القبر نزع الأخلة بفيه) رواه البيهقي.
وعلى هذا ، فالتراب لا يُهال على وجه الميت أو جسده مباشرة ، سواء كان القبر لحداً أو شقاً ، لأنه في اللحد يكون الميت داخل الحفرة التي حفرت في جدار القبر ، فلا يهال التراب فوقه ، وفي الشق يهال التراب على سقف الشق ، ولا يهال على الميت مباشرة .وقد صرح فقهاء الشافعية بعدم جواز إهالة التراب على جسد الميت مباشرة من غير لحد ولا شق، وكذلك عدم سد اللحد أو الشق مما يؤدي إلى صب التراب على جسده مباشرة لما في ذلك من الإزراء به وهتك حرمته، ففي تحفة المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه الشافعي عند قول المؤلف: ويسد فتح اللحد بلبن . وظاهر صنيع المتن أن أصل سد اللحد مندوب كسابقه ولا حقه، فتجوز إهالة التراب عليه من غير سد وبه صرح غير واحد، لكن بحث غير واحد وجوب السد كما عليه الإجماع الفعلي من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الآن فتحرم تلك الإهالة لما فيها من الإزراء وهتك الحرمة، وإذا حرموا ما دون ذلك ككبه على وجهه وحمله على هيئة مزرية فهذا أولى ، ويجري ما ذكر في تسقيف الشق.
وقال في حاشية تحفة المحتاج : لو وضع الميت في القبر في غير لحد ولا شق وأهيل التراب على جثته، فالوجه تحريم ذلك ثم رأيت من أفتى بحرمة ذلك .
وقال الخطيب الشربيني : ويكره دفنه في تابوت بالإجماع لأنه بدعة (إلا في أرض ندية أو رخوة , وهي ضد الشديدة فلا يكره للمصلحة.
وذهب المالكية إلى أن سن التراب على الميت إذا تعذر اللحد والشق أولى من الدفن في التابوت، قال خليل في مختصره في الفقه المالكي بعد أن ذكر تفضيل اللحد ثم الشق: وسن التراب أولى من التابوت.
يسن أن يُرفع القبر عن وجه الأرض نحوا من شبر، ولا يُسَوى بالأرض، ليُعرف فيصان ولا يهان:فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلحد، ونُصب عليه اللِّبن نصبًا، ورُفع قبره من الأرض نحوا من شبر" رواه ابن حبان، وحسن إسناده العلامة الألباني : في "أحكام الجنائز وبدعها"(ص195.قال الإمام الشافعي : في "الأم"(1/463): "وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره، وليس بأن يكون فيه تراب من غيره بأس، إذا زيد فيه تراب من غيره ارتفع جدا، وإنما أحب أن يُشخَص على وجه الأرض شبرا أو نحوه".يُسن في القبر أن يكون مُسنَّما:فقد أخرج البخاري في "صحيحه"(1390) بسنده إلى سفيان التمّار قال: "رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مُسنَّما".قال ابن قيم الجوزية : في "زاد المعاد"(1/504): "وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه، فقبره صلى الله عليه وسلم مُسَنَّم مبطوح ببطحاء العَرْصَة الحمراء، لا مبني ولا مُطَيَّن، وهكذا كان قبر صاحبيه".
ويجوز دفن الميت ليلاً لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏(‏مات إنسان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه، فقال‏:‏ «ما منعكم أن تعلموني‏؟‏ » قالوا‏:‏ كان الليل، وكانت ظلمة، فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه‏)‏ ، رواه البخاري ومسلم‏[‏أخرجه أحمد 1/224، 283، والبخاري 2/72، 88، ومسلم 2/658 برقم ‏(‏954‏)‏ مختصرا، وأبو داود 3/536-537 برقم ‏(‏3196‏)‏، والترمذي 3/355 برقم ‏(‏1037‏)‏، والنسائي 4/85 برقم ‏(‏2023، 2024‏)‏، وابن ماجه 1/490 برقم ‏(‏1530‏)‏، واللفظ له، والدار قطني 2/78، وابن الجارود ‏(‏غوث المكدود‏.‏‏.‏‏)‏ 2/138 برقم ‏(‏542‏)‏، والطيالسي ‏(‏ص/344‏)‏ برقم ‏(‏2647‏)‏، والبيهقي 4/31، 45، والبغوي في شرح السنة 5/361 برقم ‏(‏1498‏)‏‏]‏، فلم ينكر دفنه ليلاً، وإنما أنكر على أصحابه أنهم لم يعلموه به إلا صباحاً، فلما اعتذروا إليه قبل عذرهم‏.‏ وروى أبو داود عن جابر قال‏:‏ ‏(‏رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقبرة يقول‏:‏ ناولوني صاحبكم، وإذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر‏)‏ ‏[‏ أخرجه أبو داود 3/513-514 برقم ‏(‏3164‏)‏، والطبراني 2/182 برقم ‏(‏1743‏)‏، والحاكم 1/368، 2/345، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/513، وأبو نعيم في الحلية 3/351، والبيهقي 4/31، 53‏]‏، وكان ذلك ليلاً كما يدل عليه قول جابر‏:‏ ‏(‏رأى ناس ناراً في المقبرة‏.‏‏.‏‏)‏ إلخ‏.وفيما روى أبو داود والبيهقي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( : إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فآذنوني به ، وعجلوا , فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ), وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسرعوا بالجنازة ، فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير ، وإن كانت غير ذلك ، فشر تضعونه عن رقابكم ) رواه الجماعة ,وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره ) . ولا بأس أن ينتظر بها مقدار ما يجتمع لها جماعة ; لما يؤمل من الدعاء له إذا صلي عليه ، ما لم يخف عليه ، أو يشق على الناس . نص عليه الإمام أحمد وقال : كرامة الميت تعجيله ., ودفن النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل، ليلة الأربعاء ‏[‏أخرجه أحمد 6/62، 274، وابن سعد في الطبقات 2/305، وعنده‏:‏ ‏(‏ليلة الثلاثاء‏)‏‏]‏، والمساحي هي الآلات التي يجرف بها التراب، ودفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود ليلاً، وما روي مما يدل على كراهية الدفن ليلا فمحمول على ما إذا كان التعجيل بدفنه ليلاً يخل بالصلاة عليه كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، أو من أجل أن لا يساء كفنه، ولأنه أسهل على من يشيع جنازته وأمكن لإحسان دفنه، واتباع السنة في كيفية لحده، وهذا إذا لم توجد ضرورة إلى تعجيل دفنه، وإلا وجب التعجيل بدفنه ولو ليلاً‏.‏
وأما دفن الميت في التابوت فقد اتفقت كلمة الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة – وهناك من قال بالإجماع – على كراهة دفن الميت في التابوت , ولا يجوز ذلك إلا إذا كانت هناك ضرورة أو مصلحة معتبرة شرعاً كما لو كانت الأرض رخوة أو كان الميت امرأة ولا محرم لها , ففي هذه الحالة لا حرج في دفن الميت بالتابوت , لأن المصلحة متحققة . كذلك أن تكون الأرض مسبعة ( تكثر فيها السباع التي تعتدي على الأموات بنبش قبورهم وأكلهم ) أو تكون سلطات البلد التي يقيم فيها المسلمون تلزم بوضع جثمان الميت في تابوت ثم دفنه فيه كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية , أو نحو ذلك . وفيما يلي تفصيل ذلك عند العلماء : جاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية [ 2/312 , وانظر كذلك : 8/439 ] : ' لم يعرف وضع الميت في تابوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم , وخير للمسلمين أن يسيروا على نهجهم , ولذا كره وضع الميت في تابوت , سواء كانت الأرض صلبة أو رخوة أو ندية , وإذا أوصى بوضعه في تابوت لم تنفذ وصيته . وأجاز الشافعية إذا كانت الأرض رخوة أم ندية ولا تنفذ وصيته عندهم إلا في مثل هذه الحالة ' . يقول ابن قدامة في المغني [ 2/380 ] : ' ولا يستحب الدفن في التابوت , لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه , وفيه تشبه بأهل الدنيا , والأرض أنشف لفضلاته ' . وفي الإنصاف للمرداوي الحنبلي [ 2/546 ] : ' يكره الدفن في تابوت ولو كان امرأة , نص عليه الإمام أحمد . وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : ' لا خلاف بين الفقهاء في أنه يكره الدفن في التابوت إلا عند الحاجة كرخاوة الأرض , وذلك لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم , وفيه تشبه بأهل الدنيا , والأرض أنشف لفضلاته , ولأن فيه إضاعة المال . وفرق الحنفية بين الرجل والمرأة , فقالوا : لا بأس باتخاذ التابوت للمرأة مطلقاً , لأنه أقرب إلى الستر , والتحرز عن مسها عند الوضع في القبر ' . أنظر : [ 21/16 . وجاء في مغني المحتاج للشربيني الشافعي : ' ويكره دفنه في تابوت بالإجماع لأنه بدعة , ولا تنفذ وصيته بذلك إلا في أرض ندية أو رخوة , فلا يكره للمصلحة , ومثل ذلك إذا ما كان في الميت تهرية بحريق أو لذع بحيث لا يضبطه إلا التابوت أو كانت امرأة لا محرم لها كما قال المتولي لئلا يمسها الأجانب عند الدفن أو غيره , وألحق في المتوسط بذلك دفنه في أرض مسبعة بحيث يصونه من نبشها إلا التابوت ' . [ 1/363 ] . وجاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة : ' إن دفن الميت في صندوق ونحوه مكروه مطلقاً عند الحنابلة , وخلاف الأولى عند المالكية , أما الشافعية والأحناف فقالوا : مكروه إلا لحاجة – كرخاوة أرض وغيره – ' . وكل هذا مع مراعاة تطبيق السنة في الدفن . يقول الدكتور عبد الكريم بن يوسف الخضر – أستاذ الفقه المشارك بجامعة الملك سعود – الرياض –' إن الفقهاء استدلوا للأسباب التالية : 1ــ إن وضع الميت في تابوت لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على عدم مشروعيته . 2ــ إن وضع الميت ودفنه في تابوت تشبه بالكفار حيث أنه من عملهم . 3ـــ إن دفن الميت في الأرض أنشف لفضلاته وتأخر إنتانه بخلاف وضعه في التابوت . 4ــ إن عدم إدخال التابوت معه في قبره – وهو مما مسته النار – تفاؤل بألا يمس الميت النار . 5ــ إن في الدفن في التابوت إضاعة مال مع عدم ورود ذلك عن السلف ' .
أما غرس الجريد و الأغصان عند القبر، فقد أفتى العلماء والفقهاء بأنه لا يجوز ولا يشرع , وذهبوا إلى القول بأن ما رواه البخاري وغيره، عن ابن عباس، أن النبي مرّ على قبرين، فقال: "إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما هذا، فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا، فكان يمشي بالنميمة". ثم دعا بعسيب رطب، فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحداً، وعلى هذا واحداً، وقال: "لعله يخفف عنهما، ما لم ييبسا". فقد أجاب عنه الخطابي بقوله: وأما غرسه شق العسيب على القبر، وقوله: "لعله يخفف عنهما، ما لم ييبسا فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي، ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه جعل مدة بقاء النداوة فيهما حداً لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس . والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه وجه . " اهـ .( حديث العسيب أو الجريد أخرجه البخاري: كتاب الجنائز - باب الجريد على القبر (2 / 119، 120) ومسلم: كتاب الطهارة - باب الدليل على نجاسة البول، ووجوب الاستبراء منه، رقم (1240،111, 241 )وقوله: "وما يعذبان في كبير". ذكر العلماء فيه تأويلين؛ أحدهما، أنه ليس بكبير في زعمهما. والثاني، أنه ليس بكبير تركه عليهما. وقيل: ليس بأكبر الكبائر، وقوله: "بالنميمة". حقيقتها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد، وقوله: "لا يستتر". رويت بألفاظ مختلفة: يستتر، ويستنزه، ويستبرئ، وكلها صحيحة، ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه. و"العسيب" هو الجريد والغصن من النخل).وما قاله الخطابي صحيح، وهذا هو الذي فهمه أصحاب رسول الله؛ إذ لم ينقل عن أحد منهم أنه وضع جريداً ولا أغصانا ولاأزهاراً على قبر، سوى بريدة الأسلمي، فإنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان (البخاري: كتاب الجنائز - باب الجريد على القبر (2 / 119 ). رواه البخاري ). ويبعد أن يكون وضع الجريد مشروعاً، ويخفى على جميع الصحابة ما عدا بريدة. قال الحافظ في "الفتح": وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه، ولم يره خاصاً بذينك الرجلين. قال ابن رشيد: ويظهر من تصرف البخاري، أن ذلك خاصٌّ بهما؛ فلذلك عقبه بقول ابن عمر("الفتح" (3 / 264)، حين رأى فسطاطاً على قبر
عبد الرحمن: انزعه يا غلام؛ فإنه يظله عمله. وفي كلام ابن عمر ما يشعر، بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر، بل التأثير للعمل الصالح.
واعتبر علماء آخرون أن وضع الجريد على القبر من خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالنبي لم يكن يضع الجريد على كل قبر، وإنما وضع الجريدة على هذين القبرين حيث علم أنهما يعذبان، فمن وضع الجريد على قبر أخيه المسلم الميت فقد أساء الظن فيه، وجنى عليه حيث افترض عذابه.
فغرس الجريد أو الغصن عند رأس القبر من خصائص النبي كما ذهب إلى ذلك المحققون من أهل العلم وبه نعلم خطأ بعض الناس الذين يفعلون هذا الفعل فيضعونه على قبور أمواتهم ..وكونه من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام لأن الله أطلعه على ذلك ولم يطلع غيره فهو من الأمور الغيبية ...
والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
وهو حسبنا ونعم الحسيب والوكيل

هناك تعليق واحد: