خطب ومحاضرات

خطب النبي صلى الله عليه وسلم :


قال جل وعلا :{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا },ويقول سبحانه وتعالى :{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }, ويقول تعالى :{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }, ويقول سبحانه : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } , فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة لله جل وعلا , يقول سبحانه :{ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }. وعملا بمقتضى ذلك وتأسيا وتبركا بأقواله صلى الله عليه وسلم هذه بعض من خطبه صلى الله عليه وسلم :

الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَلَا أَكْفُرُهُ، وَأُعَادِي مَنْ يَكْفُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَالنُّورِ وَالْمَوْعِظَةِ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَقِلَّةٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَضَلَالَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَانْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمَانِ: وَدُنُوٍّ مِنَ السَّاعَةِ، وَقُرْبٍ مِنَ الْأَجَلِ,مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى وَفَرَّطَ وَضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا.

وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ خَيْرُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَحُضَّهُ عَلَى الْآخِرَةِ، وَأَنْ يَأْمُرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ.

فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ نَصِيحَةً وَلَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرَى، وَإِنَّ تَقْوَى الله لِمَنْ عَمِلَ بِهِ على وَجَلٍ ومخافةٍ من ربه ، عونُ صدقٍ على مَا تَبْتَغُونَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. وَمَنْ يُصْلِحِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مِنْ أَمْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لَا يَنْوِي بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَ اللَّهِ يَكُنْ لَهُ ذِكْرًا فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ وَذُخْرًا فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ حِينَ يَفْتَقِرُ الْمَرْءُ إِلَى مَا قَدَّمَ، وَمَا كَانَ مِنْ سِوَى ذَلِكَ يَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا، ويحذركم الله نَفسه وَالله رءوف بِالْعِبَادِ, هوَ الَّذِي صَدَقَ قَوْلُهُ، وَأَنْجَزَ وَعْدَهُ، لَا خُلْفَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى: " مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ للعبيد ".

أيها الناس اتَّقُوا اللَّهَ فِي عَاجِلِ أَمْرِكُمْ وَآجِلِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهُ " مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا " " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " وَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تُوقِّي مَقْتَهُ، وَتُوقِّي عُقُوبَتَهُ، وَتُوقِّي سَخَطَهُ، وَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تُبَيِّضُ الْوَجْهَ، وَتُرْضِي الرَّبَّ، وَتَرْفَعُ الدَّرَجَةَ.

خُذُوا بِحَظِّكُمْ وَلَا تُفَرِّطُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ، قَدْ عَلَّمَكُمُ اللَّهُ كِتَابَهُ، وَنَهَجَ لَكُمْ سَبِيلَهُ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلِيَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ، فَأَحْسِنُوا كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَييَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ، وَاعْمَلُوا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَكْفِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْضِي عَلَى النَّاسِ وَلَا يَقْضُونَ عَلَيْهِ، وَيَمْلِكُ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تُشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بطاعته وكثرة ذكره تسعدوا، وأكثروا الصدقة ترزقوا، ومُروا بالمعروف تُخصِبوا، وانهوا عن المنكر تُنصروا، أيها الناس إن أكيسكم أكثركُم ذكرا للموت، وأحزمَكم أحسنُكم استعدادا له، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابةَ إلى دار الخلود، والتزودَ لسكنى القبور، والتأهبَ ليوم النشور.

أيها الناس حَلُّوّا أَنْفُسَكُمْ بِالطَّاعَة ، وَأَلْبِسُوهَا قِنَاعَ الْمَخَافَةِ ، وَاجْعَلُوا آخِرَتَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَسَعْيَكُمْ لِمُسْتَقَرِّكُمْ ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَنْ قَلِيلٍ رَاحِلُونَ ، وَإِلَى اللَّهِ صَائِرُونَ ، فَلا يُغْنِي عَنْكُمْ هُنَالِكَ إِلا عَمَلٌ صَالِحٌ قَدَّمْتُمُوهُ ، أَوْ حُسْنُ ثَوَابٍ أَحْرَزْتُمُوهُ ، إِنَّمَا تَقْدُمُونَ عَلَى مَا قَدِمْتُمْ ، وَتُجَازَوْنَ عَلَى مَا أَسْلَفْتُمْ ، فَلا تَخْدَعَنَّكُمْ زَخَارِفُ دُنْيَا دَنِيَّةٍ ، عَنْ مَرَاتِبِ جَنَّاتٍ عَلِيَّةٍ ، فَكَأَن قَدْ كُشِفَ الْقِنَاعُ ، وَارْتَفَعَ الارْتِيَابُ ، وَلاقَى كُلُّ امْرِئٍ مُسْتَقَرَّهُ ، وَعَرَفَ مَثْوَاهُ وَمَقِيلَهُ " .  النادم يَنْتَظِرُ من الله الرَّحْمَةَ ، وَالْمُصِرُّ يَنْتَظِرُ الْمَقْتَ ، وَكُلُّ عَامِلٍ سَيَقْدُمُ عَلَى مَا أَسْلَفَ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَمِلاكُ الْعَمَلِ بِخَوَاتِيمِهَا ، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَطِيَّتَانِ فَارْكَبُوهُمَا بَلاغًا إِلَى الآخِرَةِ ، وَإِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ بِالتَّوْبَةِ ، وَإِيَّاكَ وَالْغِرَّةَ بِحِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .

أيها الناس مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونَ جَارِهِ مَخَافَةً عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُؤْمِنٍ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ إِنِ اسْتَعَانَكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ شَهِدْتَ جَنَازَتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَلَا تَسْتَطِيلَ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ، فَتَحْجُبَ عَنْهُ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِذَا شَرَيْتَ فَاكِهَةً فَاهْدِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا، وَلَا يَخْرُجْ بِهَا وَلَدُكَ لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ، وَلَا تُؤْذِهِ بِقِيثَارِ قَدْرَكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا, فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» ,فَمَا زَالَ يُوصِيهِمْ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجِيرَانُ ثَلَاثَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثُ حُقُوقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقَّانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ ثَلَاثُ حُقُوقٍ فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ الْقَرِيبُ، لَهُ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَحَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقَّانِ فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ، لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ فَالْجَارُ الْكَافِرُ، لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُعْطِيهِمْ مِنْ لُحُومِ النُّسُكِ؟ فَقَالَ: «لَا تُعْطِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ نُسُكِ الْمُسْلِمِينَ. أيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مَنْ فِي الدُّنْيَا ضَيْفٌ وَمَا فِي يَدِهِ عَارِيَةٌ ، وَإِنَّ الضَّيْفَ مُرْتَحِلٌ وَالْعَارِيَةَ مَرْدُودَةٌ ، أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ ، يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، وَالآخِرَةُ وَعْدٌ صَادِقٌ ، يَحْكُمُ فِيهَا مَلِكٌ عَادِلٌ ، فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَظَرَ لِنَفْسِهِ ، وَمَهَّدَ لِرَمْسِهِ ، مَا دَامَ رَسَنُهُ مُرْخًى ، وَحَبْلُهُ عَلَى غَارِبِهِ مُلْقًى ، قَبْلَ أَنْ يَنْفَدَ أَجَلُهُ ، وَيَنْقَطِعَ عَمَلُهُ ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.

أيها الناس: إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) .

إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ. لَا يَسْرِقُ سَارِقٌ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَزْنِي زَانٍ وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الشَّارِبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ - يَعْنِي الْخَمْرَ -، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، وَلَا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَغِلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغِلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ



الخطبة الثانية:

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَّاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد: إنّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَيّنَهُ اللّهُ فِي قَلْبِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْكُفْرِ وحبب إليه القرآن وَاخْتَارَهُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ أَحَادِيثِ النّاسِ إنّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغُهُ ,أَحِبّوا  مَا أَحَبّ اللّهُ أَحِبّوا اللّهَ مِنْ كُلّ قُلُوبِكُمْ وَلَا تَمَلّوا كَلَامَ اللّهِ وَذِكْرَهُ, وَلَا تَقْسُ عَنْهُ قُلُوبُكُمْ ,فَإِنّهُ مِنْ كُلّ مَا يَخْلُقُ اللّهُ يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي ,فَاعْبُدُوا اللّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتّقُوهُ حَقّ تُقَاتِهِ وَاصْدُقُوا اللّهَ صَالِحَ مَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ, وَتَحَابّوا بِرُوحِ اللّهِ بَيْنَكُمْ إنّ اللّهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنْكَثَ عَهْدُهُ .يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لَكُمْ معالمَ فَانْتَهُوا إِلَى معالمكم، وَإِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ بَيْنَ أَجَلٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي كَيْفَ صَنَعَ اللهُ فِيهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي كَيْفَ اللهُ بِصَانِعٍ فِيهِ، فَلْيَتَزَوَّدِ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ، وَمِنْ دُنْيَاهُ لِآخِرَتِهِ، وَمِنَ الشَّبَابِ قَبْلَ الْهَرَمِ، وَمِنَ الصِّحَّةِ قَبْلَ السَّقَمِ، فَإِنَّكُمْ خُلِقْتُمْ لِلْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا خُلِقَتْ لَكُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُسْتَعْتَبٍ وَمَا بَعْدَ الدُّنْيَا دَارٌ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ.

واعلموا أن الدنيا دارُ بلاء ومنزلُ ظعنةٍ وعناء ، قد نُزعت عنها نفوسُ السعداء ، وانتُزعت بالكره من أيدي الأشقياء ، فأسعد الناس بها أرغبهم عنها ، وأشقاهم بها أرغبهم فيها ، هي الفاتنة لمن انتصحها، والمغرية لمن أطاعها ، والخائبة لمن انقاد إليها ،الفائز من أعرض عنها ، والهالك من رغِب فيها، طوبى لعبد اتقى فيها ربه، وناصح نفسه ، وقدم توبته، وأخر شهوته ، من قبل أن تلفَظَه الدنيا إلى الآخرة ، فيصبحَ في بطن موحشةٍ عفراءَ، مدلَـهِمَّةٍ ظلماء ، لا يستطيعُ أن يزيد في حسنة ، ولا ينقُصَ من سيئة ، ثم ينشرُ فيحشرُ ، إما إلى جنة يدوم نعيمها ، أو نار لا ينفَدُ عذابُها .
 
فما لنا فيها ,كأن الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وَجب ، وكأن الذين نشيع من الأموات سفْر عما قليلٍ إلينا راجعون ، نبوِّئهم أجداثَهم ، ونأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم ، قد نسينا كل موعظة ، و أمِنا كل جائحة
طوبى لمن شغله عيبُه عن عيوب الناس ، طوبى لمن أنفق من مال اكتسبه من حلال في غير معصية ، وجالسَ أهلَ الفقه
والحكمة ، وخالط أهل الذل والمسكنة ، طوبى لمن ذلت نفسه ، وحسنت خليقته ، وطابت سريرته ، وعزل عن الناس شره، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، ووسعته السنة ، ولم تستهوه البدعة.

أيها الناس: لَا يَتَطَاوَلَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوا قُلُوبُكُمْ، وَلَا يُلْهِيَنَّكُمُ الْأَمَلُ فَإِنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ أَلَا إِنَّ بَعِيدًا مَا لَيْسَ آتِيًا ، و"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال".

خَيْرُ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ، وَخَيْرُ الْغنَى غِنَى النَّفْسِ، وَخَيْرُ الْعِلْمِ مَا نَفَعَ، وَخَيْرُ الْهَدْيِ مَا اتُّبِعَ وَمَا قَلَّ، وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَإِنَّمَا يَصيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى مَوْضِعِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، فَلَا تَمَلُّوا النَّاسَ وَلَا تَسْأَمُوهُمْ، فَإِنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ نَشَاطًا وَإِقْبَالًا، وَإِنَّ لَهَا سَآمَةً وَإِدْبَارًا أَلَا وَشَرُّ الرُّؤْيَا رُؤْيَا الْكَذِبِ ,الْكَذِبُ يَقُودُ إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَقُودُ إِلَى النَّارِ أَلَا وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَقُودُ إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَقُودُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَاعْتَبِرُوا فِي ذَلِكَ إِنَّهُمَا الْفَتَيَانِ الْتَقَيَا يُقَالُ لِلصَّادِقِ صَدَقَ وَبَرَّ، وَيُقَالُ لِلْفَاجِرِ كَذَبَ وَفَجَرَ ، ولَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صدِّيقًا، وَلَا يَزَالُ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا.

إسحاق بن موسى بن الشيخ سيديا