الإنارة
مدونة علمية ثقافية اجتماعية تعالج شتى الإهتمامات المطروحة,وتقدم الحلول للقضايا المثارة , مُنوعةً مواضيعها التثقيفية المفيدة,غايتها وهدفها ( إيصال المعلومة الشرعية من الكتاب والسنة , وإجماع علماءالأمة) والثقافة الإسلامية الأصلية .
الاثنين، 26 يونيو 2017
الاثنين، 13 فبراير 2012
اجتماع عام لأهل الشيخ سيديا في بتلميت
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة والأخوات, أيها السادة والسيدات, أيها الحضور الكريم:
إن خير ما يفتتح به الكلامُ بعد حمد الله تعالى والثناءِ عليه , الحثُّ على تقوى الله تعالى وطاعته , فأوصيكم جميعا ونفسي بتقوى الله تعالى وخشيته ومراقبته في السر والعلن, والبعد عن معصيته واجتناب نواهيه , والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا , والاقتداء بصحابته, والسير على نهج صالح سلف الأمة , والأخذ من معينهم الصافي, فذلك هو طوقُ النجاة , وسبيلُ السعادة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )).
أيها الجمع الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
دعوني بارك الله فيكم, أن أبدأ بكل من لبَّى دعوتـَنا وكثـَّر سوادَنا ممن في الله نحبهم ويحبوننا, وإنهم والله منا ونحن منهم, فأهلا وسهلا بكم, مأجورةً خطاكم, مشكورةً لكم تلبيتُكم لهذه الدعوة, ومحفوظا لكم تجشمُّكم ومكابدتُكم ــ رغم المشاغل ــ لتشريفنا بحضورِكم الكريم في مدينتكم مدينةِ بتلميت.
إن وجودكم هاهنا ـــ اليوم ــ , ومشاركتَكم لنا في هذا الاجتماع المباركِ , والتآمَ شملنا في هذه الربوع , لمن دواعي السرور والغبطة, وخيرُ برهان, ودليلُ صدق على تجسيد حقيقةِ الأخوة التي تربطنا بكم, والمحبةِ الصادقة التي تجمعنا وإياكم على التعاون على البر والتقوى, فشكر الله لكم سعيكم , وبارك لكم في أمركم.
أيها الحضور الأماجد: إنكم في غنى عن التذكير والتنبيه, بلْهَ التوجيهَ والإرشادَ ، إلا أن فضل الذكرى جعلني أتجرأ على دعوتكم إلى مزيد من التعاون والتلاحم والتعاضد, اعتبارا لآكدية الحاجة لذلك, خاصة في هذا الزمان الذي يزدحم في نطاقه من الأحداث والوقائع والتغيرات ما لا يحيط بحقيقته تصور, ولا يدركُ كنهَه عقل، فهلموا إلى وحدة أقوى نبلور من خلالها صورةَ التعايش الأمثل, والتكافلِ العمليِّ.
إن هذا الاجتماع المباركَ الذي تناديتم إليه برهنةٌ تقوِّي اليقين أنكم على سَنن السلف الصالحين ماضون، وبعهودهم وعلائقهم مستمسكون، امتثالا لأمر الله تعالى القائل:"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا."
ليس غريبا أن نجتمع ونتحد ونتعاضَد، فقد حثتنا على ذلك أواصرُ الدين ووحدةُ الانتماء وآصرةُ القربى، ومهد لنا طريقَ الوحدةِ سلفُنا الصالحون، الذين لطالما أجمعوا أمرهم، ووحدوا صفهم، واجتمعوا على كلمة سواءٍ في السراءِ والضراء، والمنشطِ والمكره، حتى صدق فيهم الوصفُ النبويُّ بأنْ كانوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ونحن اليوم بهذا الاجتماعِ نجدد عهدهم ونقوي غزلهم، ونُذْكي في الأجيال حميَّةَ الاعتصام بحبل الله عصمةً من التفرق.. والاحتماءَ للشجرة الطيبة الجامعة التي هي غرس الأجداد، ومسؤوليتُنا حتى نسلمها للأبناء والأحفاد..أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها.
جمعنا الكريمَ، إن غرس الآباء مسؤوليةٌ وأمانةٌ في أعناقنا نصونه وننمِّيه، ومن أعظم ذلك تلك العلاقاتُ الربانيةُ العريقةُ والعميقةُ والنسبية التي نسَجوها مع كافة القبائل والأسر الموريتانية، على أسس قويةٍ ودعائمَ صلبةٍ متجذرةٍ, فنحن بإذن الله لها مجددون، وفي بعثها سالكون، حتى يعم الخيرُ ويسودَ التراحمُ والتآلفُ أرجاءَ البلد، استدرارا لما وعد به اللهُ تعالى أهلَ التوادِّ والتراحمِ فيه من بركات في الأنفس والذراري والأموال.
فليس نقص أنكرَ وأضرَّ على الأسر والجماعات من التفرق والنزاعات, قال الله تعالى:( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين). ذلك أن جهد الفرد قليل وإن كثر , وإنما يأكُلُ الذئبُ من الغنم القاصية, فنحن ــ بحمد الله تعالى ــ نمتلك كل مقومات الوحدة التي هي أساس العزة والسيادة : فالأصل واحد, والهدف واحد , والإحساس مشترك , والغاية مغنم للجميع .
ولأجل هذا فإنني أدعوكم إلى أن نغتنم هذا الاجتماعَ للتصافي والتلاحم والتواصل, من أجل بناء مستقبلٍ أساسه متين , تسوده المودة والرحمة والتعاون والتكافل , ويُتخذ فيه ما يناسِب من المواقف الموحدةِ تجاهَ القضايا العامة والمطروحة , طاعة لربنا وبرا بسلفنا, قال سبحانه وتعالى:(( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )), حيث طاعةُ وليِّ الأمر هي طاعةٌ لله عز وجل .
فنحن صف واحد خلف قادة البلاد وذوي السلطة في سعيهم لإصلاح الأحوال وتحسين ظروف الناس وتأمين معايشهم، وهو ما يتطلب منا أن نؤازر راعيَ هذه الإصلاحات :
السيدَ الرئيسَ: محمد ولد عبد العزيز .
وفي الختام فإنه علينا جميعا أن لا نخرج إلا بحقيقة عملية , مُؤداها : وحدةٌ بها كل شيء , وتضامن في كل شيء , وأُخُوة حقيقيةٌ هي كلُّ شيء , قال صلى الله عليه وسلم: ( يدُ الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار).
والوحدةُ المرجوة: معنى وعمل , لا كلام وجدل , ولا ينفع طولُ الأمل.
وهذا الوقت بين أيدينا , والمقامُ مقامُ تشاور وعمل , ونحن هنا على حد سواء , مثلُ الإخوة الأشقاء, فلنسمعْ من بعضنا , عسى الله أن يوفقنا لما فيه الخيرُ والصلاح ,وأن يسلك بنا سبيل الخير والهدى, إنه سميع مجيب الدعاء .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الخليفة العام لأهل الشيخ سيديا: الشيخ موسى ولد محمد ولد الشيخ سيديا
بتلميت يوم:11\02\2012
السبت، 21 يناير 2012
يائية الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا ـــ رحمهما الله تعالى ــــ((عَلَى دُورانِ "أوْكارَ" التَّحايَا)).
يائية الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا ـــ رحمهما الله تعالى ــــ((عَلَى دُورانِ "أوْكارَ" التَّحايَا))
مشروحة:[الوافر]
يقول ـــ رحمه الله تعالى ـــــ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دوران جمع: دار، وهي المحل يجمع البناء والعرصة، وقد تذكر وله عشرة جموع منها: أدؤر، وأدرر، وديار، ودوران، وأدورة. وتواصل أصلها: تتواصل، وحذفت التاء الأولى كما في قوله تعالى: }تنزل الملائكة والروح{ أي تتنزل. و"آوكار" أرض متسعة المسافة فيها مناهل وقفار ممتدة تقع بين "أكان" و"آمشتيل" و"آفطوط" و"العقل"، وهذه أماكن كلها موريتانية معروفة.
(2) "ذات اليمن": وتسمى في العامية: "تامرزكيت" وهي بئر لأهل الشيخ سيدي وهي كثيرة الذكر في شعر الرجل، وقد عربها في نص آخر بـ"ميمونة السعدى", و"الأنقاء" جمع: نقا وهو من الرمل القطعة تنقاد محدودبة، وهما نقوان ونقيان، والجمع أنقاء ونقي. "نجد بني المبارك" يعرف في العامية ب"علب أولاد امبارك"، و"الكنايا" موضع معروف في "فاي".
(3) "تل الحبار" ويعرف في الحسانية بـ"علبْ لَحْبارَ". و"نجد نصف" يعرف هو الآخر في الحسانية بـ"علب النص" ويقع في "آوكار". "جرعاوي الأرطى": فجر عاوي تثنية جرعاء وهي الأرض المنبسطة الممتدة، وتعرف في الحسانية بـ"الطرحة" والأرطى: شجر ينبت بالرمل شبيه بالغضى، ينبت عصياً من أصل واحد يطول قدر قامة وله نَور مثل نَور الخلاف، ورائحته طيبة، واحدته أرطاة، والتثنية أرطيان، والجمع أرطيات. وقال سيبويه: أرطاة وأرطى، وجمع الجمع الأراطى.
(4) "بيضاء التماشن": وتعرف في الحسانية بـ"تمشانت" ومنها: "البيضاء" وهي الشرقية، و"الحمراء" وهي الغربية، وبينهما: "تاركه". "الروابي" جمع ربوة وهي المرتفع من الأرض. و"التوأمات" موضع معروف في "آوكار". و"ذي السرايا" من مواضع "آوكار" ويعرف في الحسانية بـ"علب اصرب".
(5) "هضب السيال" ويعرف في العامية بـ"عظم التمات" و"أيدمات" موضع معروف في: "قاي". و"المعاهد" جمع معهد وهو اسم مكان من عهد الشيء إذا ألفه.
(6) "خرنا" من خار الشيء إذا انتقاه كتخيره، ويقال اخترته الرجال واخترته منهم وعليهم، والاسم الخيرة بالكسر. و"البرايا" جمع بريئة فعيلة بمعنى مفعولة من قولهم: برأ الله الخلق إذا أنشأه.
(7) "أكثبة" جمع كثيب وهو التل من الرمل، ويجمع أيضاً على كثب وكثبان، و"دمانت" لينات من دمث المكان وغيره كفرح إذا سهل ولان، و"هائلات" اسم فاعل مؤنث مجموع من هاله الأمر إذا أفزعه كهوله غير أنه في هذا السياق قد يكون من شدة الفرح والاستمتاع. و"سبايا" جمع سبي صفة مشبهة باسم الفاعل من سبى العدو سبياً وسباء أسره كأسباه فهو سبي وهي سبي، فهذه الرمال لروعتها وجمالها تأسر القلوب وتأخذ بمجامعها.
(8) "يفضضها" أي يجعل لها لوناً كلون الفضة، من فضض الشيء إذا حلاه بالفضة أو طلاه بها، والفضة عنصر أبيض قابل للسحب والطرق والصقل، من أكثر المواد توصيلاً للحرارة والكهرباء، وهو من الجواهر النفيسة التي تستخدم في سك النقود. و"تذهبها" تجعل لها لون الذهب وهو التبر، ويؤنث، واحدته بهاء، جمعه أذهاب وذهوب وذهبان بالضم، وأذهبه به كذهبه فهو مذهَب وذهيب.
(9) "ذو البلهنية" صاحب النعمة والترف، والبلهنية بضم الباء الرخاء وسعة العيش، يقال: "لا زلت ملقى بتهنية، ومبقى في بلهنية"، و"الاضطجاع" معروف مصدر اضطجع إذا وضع جنبه بالأرض، و"الطنافس" جمع طنفسة مثلثة الطاء والفاء، وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس تستعمل للاستراحة فوق البسط والحصير وهي الوسادة والنمرقة، و"الحشايا" جمع حشية وهي الفراش المحشو.
(10) "الأسباط" جمع سبط محركة، وهو الرطب من النصي، ونباته كالدخن: مرعى جيد. و"الأراطى" جمع الأرطى وهو شجر ينبت بالرمل تقدم شرحه في البيت الثالث من النص. و"البيص" الحسان و"أيام الضحايا" أيام الأعياد؟
(11) "الغيطان" جمع غائط وهو المطمئن الواسع من الأرض، ويجمع على غوط بالضم، وأغواط وغياط وغيطان، و"الأقط" مثلثة ويحرك وككتف ورجل وإيل، شيء يتخذ من المخيض الغنمي، جمعه أقطان، وأقَطَ الطعامَ (بالفتح) يأقِطه (بالكسر) عمله به، وآقط فلاناً أطعمه إياه. و"المموه" المطلي، من موه الشيء إذا طلاه بذهب أو فضة وتحته نحاس أو حديد. و"المرايا" جمع مرآة وهي ما تراءت فيه. فهو هنا يشبه لمعان الغيطان البيضاء في الهواجر وشدة السراب بالأقط المطلي بالمرايا.
(12) في البيت جناس بين "عوار" و"عرايا" فالأولى من العري، والثانية من الإعارة، والأصل في عوار عوارياً لكنه قصرها لضرورة الوزن وتناغم الشطر.
(13) هذه الصورة الشعرية وهذا التشبيه شائع في المقدمات الطللية الجاهلية، فمن ذلك قول طرفة بن العبد في مطلع معلقته:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد |
| تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد |
وقول زهير بن أبي سلمى في معلقته كذلك:
ودار لها بالرقمتين كأنها |
| مراجع وشم في نواشر معصم |
و"الوشم" كالوعد غرز الإبرة في البدن وذر النيلج عليه، وجمعه وشوم ووشام، وقد وشمته ووشَّمته واستوشم طلبه، و"البغايا" جمع بغي وهي الفاجرة أمة كانت أو حرة، وبغت الأمة تبغي بغياً وباغت مباغاة وبغاة فهي بغِيّ وبغُوّ إذا عهرت، ولعله خص البغايا لأنهن أكثر اعتناء بالزينة والوشم، فهو يشبه آثار الرياح في المنازل برجع الوشوم في أيادي النساء الفاجرات.
(14) "فما تدرس" ما تبلى "ولا تقفر" من القفر وهو الخراب، و"المغاني" جمع مغنى وهو المنْزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا عنه، و"الأضالع" جمع ضلع وهو كعنب وجذع مؤنثة وجمعها أضلع وضلوع وأضلاع، و"زوايا" جمع زاوية وهي من البيت ركنه. والمعنى أن منازل هذه الآبار ثابتة في الضلوع راسخة في القلوب ولا تؤثر فيها عوامل التعرية ولا حادثات الليالي.
(15) في هذا البيت إشارة إلى قول ابن غنمة الضبي في يوم الشقيقة يرثي بسطاماً ويتحدث عن مكانته المتميزة في عشيرته:
لك المرباع منها والصفايا |
| وحكمك والنشيطة والفضول |
فالمرباع هو الربع، و"الصفايا" جمع صفي وهو ما يصطفيه الملك لنفسه من الغنيمة، و"حكمك" أي نصيبك وسهمك، و"النشيطة" ما أصابه الجيش في طريقه قبل أن يصل إلى مقصده، و"الفضول" ما فضل من الغنيمة ولم يقسم. والمعنى أن هذه البئر حبيبة إلى الشاعر وتنْزل من نفسه كل مَنْزل، ولو تصورنا الهوى غنيمة لنالت منه هذه المعاهد النصيب الأوفر والحظ الأكمل.
(16) "ذات اليمن" هي البئر المعروفة بـ"تامرزكيت" وتقدم الحديث عنها و"الجناب" الفِناء، والمقصود هنا: حضرة الشيخ سيدي والد الرجل، و"البلايا" جمع بلية من قولهم: بلوت الرجل فأبلاني أي استخبرته فأخبرني كبلوته بلى وبلاء والاسم البلوى والبلية، والبلاء يكون منحة ويكون محنة.
(17) في هذا البيت روايتان أولاهما: "فَدى كثبانَك الكثبانُ طرا"، وتكوى فدى فعل ماض فاعله الكثبان، أما الرواية الثانية فهي: "فِدى كثبانِك الكثبانُ طرا" وعلى هذا تكون فدى اسم مبتدأ خبره الكثبان، وذلك من قولهم: فداه يفديه فداء وفدا ويفتح إذا أعطى شيئاً عوضاً عنه لينقذه، والفداء ككساء وكعَلي وإلى وكفتية ذلك المعطى، والكثبان تقدم شرحها في البيت الثامن من النص، و"طرا" جميعاً وتعرب على أنها حال، والزواخر جمع زاخرة وهي البئر الكثيرة الماء و"الركايا" جمع ركية وهي البئر القليلة الماء، وتجمع أيضاً على ركى.
(18) "آهلات" جمع آهلة مؤنث مكان آهل وهو الذي يقيم به أهله، ويقال أيضاً: مأهول، وقد أهل كعني، والرزايا جمع رزية وهي المصيبة.
(19) في هذا البيت استعارة مكنية "جاد لك السماء" فالسماء هنا شبهت بالرجل الكريم وحذف الرجل وأبقيت بعض لوازمه وهي الفعل جاد وذلك على سبيل استعارة التبعية، ولعل الأصل بكل سحابة كالعين الكثيرة الماء، و"هجوم" صيغة مبالغة من هجم عليه هجوماً انتهى إليه بغتة أو دخل بغير إذن، و"الودق" المطر و"الدالحة" السحابة الكثيرة الماء يقال: سحاب دالح جمعه دلح كركع ودوالح، و"الروايا" جمع رواية وهي المزادة فيها، فكأنه يشبه تدفق الودق من السحاب بتدفق الماء من فم القرب.
(20) "الشمراخ" بالكسر أعالي السحاب، و"الأسنمة" جمع سنام كسحاب وهو الذروة، و"المهجنة" الإبل البيض الكريمة، و"القصايا" جمع قصية وهي الناقة الكريمة النجيبة المبعدة عن الاستعمال، والناقة الرذلة كذلك فهي من الأضداد، ومعنى البيت أن البرق يلوح في مزن متراكبة أشبهه ما تكون بأسنمة الإبل البيض الكرام.
(21) "تنمنم" تزخرف وتنقش، و"الراي" جمع راية وهي العلم واللواء، وتجمع على رايات كذلك. والمعنى أن هذه الأمطار تنبت أعشاباً رفيعة تكون زينة ووشياً لأسفل الأرض، وألوية وأعلاماً تزين منها الأعالي كذلك.
(22) "تشرق" تلوح و"الأزاهر" جمع جمع، مفرده زهرة وتحرك، وهي النبت ونوره، أو الأصفر منه، جمعه: زهر وأزهار. و"درار" جمع دري ومعناه المضيء، ويثلث، ومنه قوله تعالى: }كوكب دري{ و"بليل الروض" لعله من القلب المعروف في اللغة، فيكون المقصود "بالروض ليلاً" و"البرج" واحد البروج و"العذاة" الأرض الطيبة الكريمة المنبت التي ليس بها سبخة، وقيل الأرض البعيدة عن الأحساء، والسهلة المريئة التي يكون كلؤها مريئاً ناجعاً، والبعيدة عن الأنهار والبحور والسباخ، ولا تكون العذاة ذات وخامة ولا وباء. فهذه البئر المذكورة تقع في أرض بعيدة عن العمران منتبذة في أعماق البادية، مما يجعلها تزدهي بالأزهار الدرية، وبالمناخ الصحي.
(23) "فاضت" سالت من قولهم: فاض الماء يفيض فيضاً وفيوضاً بالضم والكسر وفيضوضة وفيضاناً كثر حتى سال كالوادي، و"الغروب" جمع غرب وهي الدلو العظيمة. و"أفعم الإناء" ملأه كفعمه و"المحاني" جمع محنية وهي من الوادي منعرجه، يقال: محنية الوادي ومحنوته ومحناته، و"الثنايا" جمع ثنية وهي الطريق في االجبل أو إليه. فهو يشبه تدفق الماء من السحاب بتدفق الماء من الدلو العظيمة، فهذا المطر المنهمر ملأ الأعالي والأسافل والهضاب والسهول، والوهاد والأنجاد.
(24) "التبسم" معروف وهو أقل الضحك وأحسنه، وهو ضحك رسول الله r، يقال: بسم يبسم كفرح بسما وابتسم وتبسم، و"الأكنة" جمع كن وهو وقاء كل شيء وستره ووعاؤه، والمقصود هنا الأكمام، و"كظام" أفواه واحدها كظم محركة وهي الحلق أو الفم أو مخرج النفس، و"العوارض" جمع عارضة وهي السن التي في عرض الفم، و"الثنايا" جمع ثنية وهي من الأضراس الأربع التي في مقدم الفم ثنتان من فوق وثنتان من أسفل، فكأنه يشبه خروج الأزهار من الأكمام بانكشاف رؤوس الأسنان من الثغر أثناء التبسم، فهو تشبيه تمثيلي رائع.
(25) "البراري" جمع برية وهي الصحراء، و"شمت" يشمت كفرح شماتاً وشماتة فرح ببلية العدو وهزيمته، و"الرمايا" جمع رمى كغني وهي قطع صغار من السحاب، أو سحابة عظيمة، أو القطر جمعه أرماء وأرمية ورمايا، ومعنى البيت أن تهاطل السحب على الصحاري يدفع بأزهار الرياض الواقعة فيها إلى أن تتفتق وتتبسم، وكأن في ذلك شماتة بالسحب، فبكاء السماء يدعو إلى ضحك الرياض، وهذه استمارات رائعة ومبتكرة، وإن كان هذا المعنى قديماً، وهذه الصورة الشعرية متداولة فقد استخدمها أحد الشعراء قائلاً:
وواد حكى الخنساء لا في شجونها |
| ولكن له عينان تبكي على صخر |
كان به الحوذان بالسحب شامت |
| فما انتحبت إلا انثنى باسم الثغر |
فجعل ابتهاج الأعشاب لحظة تساقط المطر عليها بمثابة الشماتة بالعدو، فكلما اشتد تهاطل الأمطار ازدادت النباتات تفتقاً وازدهاء.
(26) "غب" الشيء عقبه، و"العوذ" بالضم جمع عائذ وهي الحديثات النتاج من الظباء وكل أنثى، والمقصود هنا النوق، و"القصايا" تقدم شرحها جمع قصية، وهي هنا الناقة الكريمة النجيبة المبعدة عن الاستعمال، "تساجلها" تسابقها وتنافسها في كثرة اللبن، "البكايا" جمع بكية وهي الناقة القليلة اللبن، وكذلك القصية، لأن هذه الأخيرة من الأضداد كما مر، فهي تطلق على الكريمة وعلى الرذيلة. والمعنى أن هذه السحب لكثرة مائها وبركتها تزدهي منها الأرض فتدر الضروع وتكثر الألبان في الحيوانات.
(27) "القلاص" جمع قلوص وهي من الإبل الشابة، "يخدن" يسرن سيراً حثيثاً، "خوصا" جمع خوصاء وهي الناقة التي غارت عيناها من شدة التعب وطول السفر، مشتقة من الخوص محركة وهي غور العين والفعل خوص كفرح فهو أخوص وهي خوصاء. "يسمن" من وسم الشيء إذا ترك عليه علامة مميزة أو أثراً خاصاً، و"العفر" محركة ظاهر التراب، ويسكن جمعه أعفار، و"الألايا" جمع ألية وهي اليمين. والمعنى أن هذه النوق لشدة سرعتها تكاد لا تلامس الأرض بمناسمها إلا ملامسة يسيرة قدر تحلة القسم فتبقى بذلك أثراً خفيفاً.
(28) "يعوج" أي بنوق عوج من باب إقامة الصفة مقام الموصوف والعوج جمع عوجاء وهي الضامرة من الإبل، و"الخذاريف" جمع خذروف كعصفور: شيء يدوره الصبي بخيط في يديه فيسمع له دوي، وخذرفت الإبل الحصا رمته بأخفافها، و"السمر" جمع أسمر من السمرة وهي ﻣﻨﺰلة بين البياض والسواد فيما يقبل ذلك، وفعلها سمر ككرم وفرح سمرة فيهما، وأسمارٌ فهو أسمر، و"العجايا" جمع عجاية - بالضم - عصب مركب فيه فصوص من عظام كفصوص الخاتم يكون عند رسغ الدابة، جمعه عجا وعجايا، ولعل سمر العجاية كاشف عن كرم الدواب المتصفة بهذه الصفة وقوتها.
(29) "براها" أضعفها، من قولهم: برى السهم يبريه إذا نحته، و"النص" ضرب من السير وكذا "الديدى"، "فآلت" رجعت، و"قد رحلت" أي وضع عليها الرحل، و"البلايا" جمع بلية بكسر الباء وهي الناقة يموت صاحبها فتشد عند قبره حتى تموت، كانوا يقولون إنه يحشر راكباً عليها، ومن لم يفعل ذلك حشر راجلاً، وهذا مذهب من يقول بالبعث من العرب وهم الأقل ومنهم زهير بن أبي سلمى. والبيت يدل على طول المسافة وشدة التعب الذي لحق بهذه الناقة.
(30) "الكيران" جمع كور بالضم وهو الرحل أو مع أدواته جمعه أكوار وأكور وكيران، و"الولايا" جمع ولية كغنية: البرذعة - وهي اللبد - أو ما تحتها. والمعنى أن الرحل إذا وضع على هذه النوق الضامرة يكاد ينزلق عن ظهورها لولا ما تحته من لبد، وذلك لشدة ضمورها.
(31) "التنوفة" المفازة أو الأرض الواسعة البعيدة الأطراف، "تحاكي" تشابه و"المطايا" جمع مطية وهي الدابة تمطو في سيرها أي تسرع، والمعنى أن هذه الأرض مضلة لا يهتدى بها، فهي تشبه في استوائها السماء، كما أن المطايا لشدة تعبها وانحنائها واعوجاجها أصبحت تشبه الأهلة.
(32) "السفر" بالتسكين جماعة المسافرين، و"الخرج" الإتاوة كالخراج ويضمان، والمقصود بهما ضريبة معينة تحددها الدولة أو السلطة، و"الأشلاء" جمع شلو وهو العضو، و"الرذايا" جمع رذية وهي الضعيفة المثقلة من المرض. والمعنى أن هذه الصحراء لخطورتها وانقطاع السبيل بها لا يحل بساحتها مسافرون إلا نالت من أفرادهم وأوهنت من قواهم.
(33) "شعث" أي مسافرين شعث فهو من باب إقامة الصفة مقام الموصوف، وشعث جمع أشعث وهو المغبر الرأس، من شعث كفرح، و"شاحبين" جمع شاحب اسم فاعل من شحب لونه كجمع ونصر وكرم وعني، شحوباً وشحوبة تغير من هزال أو جوع أو سفر، "البيد" جمع بيداء وهي الصحراء الفلاة، و"الحنايا" جمع حنية كغنية القوس جمعها حنى وحنايا، وقد شبه النوق في هذا البيت تشبيهاً رائعاً فقال: عن أشباه الحنايا، والمعنى أن هؤلاء المسافرين تعبوا وتعبت النوق التي تحملهم إلى الممدوح وهذا أبلغ في الاسترضاء والاستعطاف والاستمداد.
(34) "أهليك" جمع أهل، وأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه، جمعه أهلون وأهال وآهال، والانتجاع طلب الرعي و"الندى" الكرم.
(35) "يشكون" يزيلون شكايتهم، وأشكى فلاناً من فلان أخذ له منه ما يرضيه، وأشكى فلاناً أزال شكايته، و"الألى" اسم موصول بمعنى الذين، والمقصود أن إمام هذه الحضرة المباركة يدفع الظلم ويزيل شكاية من رفع إليه الشكوى، ويتحف من أمه راغباً في المال بالهبات الكثيرات.
(36) "حط الرحال" كناية عن النّزول والإقامة، فالنّزول بهذه الحضرة يدفع الفقر ويرفع الذنب بفعل الإكثار من الطاعة والإقبال على الله واستماع الذكر واكتساب العلم، ومجالسة الصالحين.
(37) "آبوا": رجعوا، و"أملوا" بالتخفيف بمعنى أملوا، و"الزفر" هو البحر، و"الروايا" جمع راوية وهي المزادة العظيمة، فهو هنا يشبه صدور الناس عن هذه الحضرة بصدور الناس من البحر.
(38) "الأخايا" جمع أخية كأبية: عود في حائط أو في حبل يدفن طرفاه في الأرض ويبرز طرفه كالحلقة تشد بها الدابة، ويجمع أيضاً على أواخي، والمعنى أن من نزل بهذه الحضرة الصوفية الكريمة اشتد تعلقه بها، لكثرة ما ينال بها من الخير والإحسان، فيصبح مشدوداً إليها رغماً عن إرادته، فلا يستطيع عنها انصرافاً، ولا يبغي بها بدلاً، فكأنما شد إليها بحبال النعمة والإكرام، فكلما هم بالانصراف عنها غلب على أمره.
(39) البيت يحيل على كثرة الطلاب وتنوع المقررات القرآنية والفقهية بساحة هذه الحضرة، وعلى وجه الخصوص فإن المقررات الفقهية بكنفها تغطي مختلف الأبواب المعروفة في المدونات الفقهية والتي تبدأ غالباً بباب الطهارة وتنتهي بباب الوصية.
(40) "التمرين" المقصود بالتمرين: التدريبات على معرفة الإعراب، وهي مسألة معروفة عند الشناقطة ويسمونها محلياً بـ"الزرك" ومعناه امتحان الطالب بإعراب مجموعة من الأبيات المشكلة، أو بعض الشواهد النحوية المتمنعة، والمقصود بالمعاني والقضايا مسائل علم المنطق الصعبة.
(41) "الوقايا" جمع أُوقية - بالضم - والأوقية سبعة مثاقيل كالوقية تجمع على أواقي وأواق ووقايا.
(42) "الأنجع" الأنفع، و"النمير" العذب الصافي من الماء، وفي القاموس: النمير كأمير الزاكي من الماء، والرعايا جمع رعية وهي الماشية الراعية والمرعية.
(43) "الألايا" جمع ألية: وهي العجيرة، أو ما ركب العجز من شحم ولحم، جمع أليات وألايا، ولا تقل: إلية، ولا لِية، وقد ألي كسمع، وكبش أليان ويحرك ونعجة أليانة وأليا وكذا الرجل والمرأة من رجال أُلْي ونساء أُلْي. وفي البيت مقابلة تفاضلية بين الأنف والألايا والمفرد والجمع، والمقصود المفاضلة بين العزة والهوان، والإباء والضعة.
(44) "يصفلن": يبغضن، والصلف محركة: أن لا تحظى المرأة عند زوجها، وهي صلفة من صلفات، و"الحظايا" جمع حظية كغنية وهي ذات المكان والحظ والتقدير عند الناس.
(45) "خزايا" مفردها خزيا، والمقصود تفوقها على البلاد، فكل الأماكن تغض عنها الطرف احتراماً لها وتقديراً لمكانتها.
(46) "مذعنات" اسم فاعل مؤنث من أذعن له إذا خضع وذل، و"سخايا" جمع سخية وهي الباذلة ما في وسعها. والمقصود هنا تفوق هذه البئر في الفضل والبركة والمناخ وتبعية الأماكن الأخرى لها.
(47) "الأخصاص" جمع خص بالضم وهو البيت من القصب، أو البيت يسقف بأخشاب ويجمع أيضاً على خصاص وخصوص، و"الخلايا": جمع خلية وهي السفينة العظيمة، ولعل المقصود بهذا البيت التنبيه إلى بعد هذه البئر عن العمارة وصخب المدينة لأنها كما تقدم تقع في "عذاة" وهي الأرض اليبة البعيدة عن البحار والأنهار والسباخ، والمتصفة بطيب المناخ.
(48) "الحوايا" جمع حوية: وهي ما تَحَوَّى من الأمعاء كالحاوية والحاوياء. والمقصود بها هنا الأمعاء.
(49) "خبايا" جمع خبية وهي ماخبئ وغاب، والمقصود بها هنا: الخزائن.
(50) "أم الأرض": مكة المكرمة و"الهدايا" جمع هدي - كغني - وهو ما أهدي إلى مكة كالهدي.
(51) "مضاه": مشابه من ضاهاه: شابهه. و"المزايا" جمع مزية كغنية وهي الفضيلة.
(52) "الجدث" محركة: القبر جمعه أجدث وأجداث، "البرايا" جمع برية وهي الخلق، يقال: محمد خير البرية أو خير البشر.
الجمعة، 20 يناير 2012
إشكالية حرف الضاد مخرجا ونطقا
(مَسْأَلَةٌ) : يقول ابن كثير رحمه الله : وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ
يُغْتَفَرُ الْإِخْلَالُ بِتَحْرِيرِ مَا بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ لِقُرْبِ
مَخْرَجَيْهِمَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الضَّادَ مَخْرَجُهَا مِنْ أَوَّلِ حَافَّةِ
اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْأَضْرَاسِ، وَمَخْرَجُ الظَّاءِ مِنْ طَرَفِ
اللِّسَانِ وَأَطْرَافِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ
الْحَرْفَيْنِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَجْهُورَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الرِّخْوَةِ
وَمِنَ الْحُرُوفِ الْمُطْبَقَةِ، فَلِهَذَا كُلِّهِ اغْتُفِرَ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا
مَكَانَ الْآخَرِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ। وَأَمَّا حَدِيثُ: "أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ" فَلَا أَصْلَ لَهُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رسالة حول حرف الضاد للشيخ سيديّ بابَ:
ومما حرّرَ الشيخ سيدي باب: مسألة الضاد:
وذلك أن من المعلوم عند من له نظرٌ في كتب التجويد ومخارج الحروف وصفاتها، ما فيها من أن الضادَ مما تختص العرب بالنطق به سليقةً، وصاروا يقولون لغةَ الضاد يعنون لغةَ العرب. وقال أبو الطيب المتنبي: (خفيف)
وبهم فخرُ كل من نَطَقَ الضا د وغوثُ الجاني وغيْثُ الطريد
وأنها أصعبُ الحروف، بحيث يتعذر النطق بها إلا بالرياضة التامة وأنها تشبهُ الظاء ولا تمتاز عنها إلا بالاستطالة والمخرج ولهذا عَسُرَ التمييز بينهما وأن بينهما ما يسمى عند علماء البديع بالجناس اللفظي. قال السيوطي في عقود الجمان: (رجز)
قلتُ وإن تشابَــــــــــــها في اللـفظ كالضاد والظاء فذاك اللفظي
ومثلهما في ذلك النون والتنوين وهاء التأنيث وتاؤه। وقال الفخر الرازي في تفسيره: "إن التكليف بالفرق بينهما من تكليفِ مالا يطاق".
وللحافظ ابن كثير في أوائل تفسيره شيءٌ من هذا। وأن الضاد حرف رِخْوٌ يجري فيه الصوت جَريانَه في بقية الحروف الرِّخْوَةِ، بل قيل إنه مُتفشٍ، والتَّفَشي أخصُّ من الرّخاوَة، وأنه مُستطيلٌ في مخرجه، ولا كذلك غيرُه من الحروف। ولما كان هذا مفقودا في ضاد العامة كَثُر القيل والقال فيها بين المتمسكين بالضاد المألوفة مِنْ أنها هي التي بها الرواية، وقد يبحثون فيما فُقِدَ فيها من صفات ضاد العرب وأنها هي التي ينطق بها الأكثر ممن فيهم أعْلامُ العلماء في الأقطار، ويُجيبهم الآخرون بأن من شروط الرواية موافقتَها لما في كُتُبِ التجويد، وأنها
إنما أُلفَتْ لحفظِ الرواية.
فنظم الشيخ سيدي باب في هذه المسألة نظما جامعا وألَّفَ فيها رسالة مستقلة أكْثَر فيها النقل عن أئمة القراءة والعربية، وأطال، لأن المقام يقتضي الإطالة، مُبيِّنا أنّ الضاد الرخوة التي يَنْطِقُ بها هو ومن وافقه هي ضاد العرب صِفَةً، ومَخْرَجًا، روايةً ودرايةً.
وقال: (رجز)
لِيُمعِنِ القارئُ في الضاد النظرْ عند احتجاجه بنص المُختصَرْ
هـل ثَمَّ تمييــز عسير جــــدَّا أو ثم حـرف يُتعـب العِبـــــــــــدّا
وهـل تُطيق لفظَه الصبيـــــــانُ والقِـبْطُ والبربـرُ والســــــودانُ
فالضاد أصـعب حـروفهم بـلا تنـازع بيـن جميع الفـُـضــــــــــلا
والـمَيزُ بينـها وبين الظـــــــاء صعبٌ لدى جمــاعة القُـــــرَّاء
واخـتصت الـعرب بالتكلـــــمِ بها عَنَ اصحابِ اللسانِ العجمي
بـل ذلك المَخرج بين الضــــاد والظاء في المُخرج عند النــــادي
يَـبـيـن ذاك للبيب النـاظـــــــــرِ عبارةُ المـــــــصباح والنـــــوادرِ
وليهده إلى ســواء المنهــــــجِ "والضادَ باستطالة ومــخــــرج"
ونصَّ ذاك النشرُ والتــمهيــــدُ له والاتــقــانُ بـــــــــه شَهــــــيدُ
وأن ضادَ العرب الـعربــــــــاءِ مُشْبِهَةٌ في السمع صوتَ الظــاء
ونــصَّ ذاك في النهاية انـــظــرِ والفجرَ فانْـظـُــرهُ له والجعـبري
وليس في تحقيقه من بـــــاسِ في مبحـث اللفظي في الجناس
وذاك في ألْـــــفــيــــــــة البيــــان وشـرحِها قـد جـاء والإتــقـــــــانِ
وقد قفا الجلالَ من تأخـَّـــــــرا فيه ولم يجعـلـْــهُ شيــئًا نُكُـرا
فالفخر في تفسيره قد نبــــهـا وشرحُ الاقنـاع وشرحُ المنتـــهى
وانظـر إلى قولهـمُ مُشالَــــــهْ وقولـَــهُـــمْ قاصــرةٌ فَــيَــالـَــــهْ
وانظـر إلى ذكرهمُ منْ غـَـلـَطا بمـــزجِ ضـادِهِ بـِــدالٍ أو بـِـــــطـَا
وفي السماع من جميع العربِ في الشَّـرْق والغرب تـمـامُ الأرَبِ
وقال ـــــــ رحمه الله ــــــ:(بسيط)
الضاد حرفٌ عسيرٌ يشبه الظاءَ لا الدَّالَ يُشْبُه في لفظ ولا الطاء
لحنٌ فـَـشَا منذ أزمانٍ قد اتّبعَتْ أبــناؤُهم فـيه أجْـداداً وآبـاء
من غيرِ مُستَـنَدٍ أصـلا وغايتــُهم إلـْــفُ العوائد فيـه خَبْطَ عشواء
والحق أبلـجُ لا يخفى على فـَطِنٍ إن استضاء بما في الكُـتْب قد جاء
هذا هو الحقُّ نصًّا لا مَردَّ لــــــهُ من شاء بالحق فليومن ومن شاء
وقال العلامة حبيب بن الزايد التندغي مخاطبا الشيخ سيدي باب:
أحيَيتَ يا شيخُ مَيْتَ العِــلم إِحياءَ نـَعَمْ وأسْمَعْتَ لو ناديـتَ أَحْــياءَ
لكنْ ظلامُ الهوى أعمى البصائر مِنْ مَنْ عارضوك بما لم يُجْدِ إِجْـداءَ
قدعارضوك بأن الضاد لم يكُ عيــ نَ الظاء واستحسنوا مِن ذاك ما ساءَ
كأنهم غـَـفـَـلـُوا عَمَّـا افـتـَـتـَحْتَ بهِ "الضادُ حرفٌ عسيرٌ يُشبــهُ الظـاءَ
وليس جَعْلُ ذوي الإنكار ضادَكُمُ ظاءً يُصَــيِّــِرُهُ في نفســه ظــــــــــاءَ
فالحسُّ يغلـَطُ في الأشياء يحسـبها شيئا كما قد يظنُّ الشيءَ أشْــيــاءَ
وحُبُّكَ الشيءَ أحيانا يُصِمُّ كما عَنْ أفصحِ الخلق خيرِ العُرْبِ قدْ جاءَ
ما قلتَ إلا الذي في الكُتـْب جاء ومَن لمْ يتـَّـصف بالحَيَا فلياتِ مــا شـَـــــاءَ
يا من بفهمٍ وإنصافٍ قد اتَّصَفُوا تأمَّـلـوا صرَّحَتْ لا ريـــب جَــدَّاءَ
وقال محمد فال بن بابه في ذلك: (بسيط)
ومنْ تأمَّلَ ألْـــــفـَى أصْـلَ عِلـَّتِهِ كونَ الطباعِ لـِمَا لمْ تألفَ اعْداءَ
وقد قيـلتْ في الموضوع والبحر والروي مُقَطّعات من الفريقين.
وقال في أول رسالته: "فهذه نقول يعرف بها اللبيب الدائر مع الحق، أن الصواب في لغة العرب الضادُ الشبيهةُ بالظاء المعجمة، حسبما تلقيناه أيضا بالرواية المعتبرة أواخر النقول، لا الضادُ الشائعةُ الآن الشبيهةُ بالطاء والدال المهملتين." ثم نقلَ على هذا كثيرا من كلام القراء وعلماء العربية.
ثم قال والرواية التي وُعِدَ بها قَبْـلُ هي ما شافهنا به أخونا الأديب العالم الثقة المحقق التقي الشيخ محمد فال بن بابه بن أحمد بيبه العلوي حفظه الله وجزاه خيرا، ثم طلبنا منه كتابتها، فكتب ما صورته:
المدني، مُفتتحَ عام سبع وثلاثمائة وألف، وهو الشيخ أحمد بن محمد الصوفي من أهل
القسطنطينية، وجدتُه مجاورا بالمدينة، ماهرا في فن القراءات والتجويد، يتصل سنده
بابن الجَزَري، وكنتُ أتردد إليه ما دمت في المدينة.
ولما سمعتُ أولا كيفية نطقه بالضاد، ظننته يجعلها ظاء، فقرأت عليه بها فقال لي
"ظ" لا و"ض" لا، يعني ب "ض لا" النهي عن الذي
يقرأ به أهل بلادنا ومن يقرأ كقراءتهم، وأنا كأني لا أسمع منه إلا الظاء، وهو لا
يرضى بها مني فقلت له ما الفرق، فقال لي: والضاد باستطالة ومخرج مَيِّز من
الظاء... .
حقيقة إهداء ثواب الأعمال البدنية والمالية والتطوعية إلى الموتى
الجواب
الكافي لمن سأل عن حكم
وحقيقة
إهداء ثواب الأعمال البدنية والمالية والتطوعية إلى الموتى
للشيخ سيدي الكبير بن المختار بن الهيبه
تحقيق و تعليق وطبع :
إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
هذه فتوى الشيخ سيدي الكبير رحمه الله تعالى
في مسألة إهداء ثواب الأعمال البدنية والمالية والتطوعية إلى الموتى وهل يصل ثواب
ذلك إليهم فينتفعون به أم لا ؟.
وسئل[1]
رحمه الله عن الصلاة هل ينوى ثوابها للموتى ؟ وهل يصل إليهم كالقراءة أم لا ؟
فأجاب رحمه الله : إن الأعمال البدنية كالصلاة
و الصيام[2] قد
اختلف العلماء فيها هل يجوز أن يفعلها الإنسان عن غيره و يصل نفعها إلى مَن فُعِلت
عنه أم لا ؟ بخلاف الأعمال المالية كالصدقة والعتق فيجوز أن يفعلها الإنسان عن
غيره ويصل نفعها إلى من فعلت عنه باتفاق . انظر كتاب التسهيل لعلوم التنزيل لابن
جزي[3]
عند قوله تعالى : (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ))[4].
ثم اعلم أن القراءة من الأعمال البدنية التي اختلف العلماء في جواز فعلها عن الغير
ووصولها إليه , ففي حاشية البناني[5]
على الزرقاني مانصه : وفيها أي القراءة ثلاثة أقوال : تصل مطلقا[6] ,
لاتصل مطلقا[7] , الثالث
إن كانت عند القبر وصلت , وفي موضع غيره لم تصل[8] .
قال في المسائل الملقوطة[9]
ويعني بكونها في موضع القبر تصل : أنه يحصل له أجر مستمع . و في آخر نوازل ابن رشد
في السؤال عن قوله تعالى : (( و أن ليس للإنسان إلا ما سعى )) قال وإن قرأ الرجل
وأهدى ثواب قراءته للميت جاز ذلك وحصل أجره . و قال ابن هلال[10]
في نوازله الذي أفتى به ابن رشد[11]
وذهب إليه غير واحد من أئمة الأندلسيين أن
الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم و يصل إليه نفعه و يحصل له أجره إذا وهب القارئ
قراءته له , وبه جرى عمل المسلمين شرقا وغربا , ووقفوا على ذلك أوقافا و استمر
عليه الأمر منذ أزمنة سالفة[12] .
قال ومن اللطائف أن عز الدين بن عبد السلام[13]
الشافعي رِيء في المنام بعد موته فقيل له ما تقول فيما كنتَ تنكر من وصول ما يُهدَى
من قراءة القرآن للموتى ؟ فقال : هيهات وجدت الأمر على خلاف ما كنت أظن . انتهى
المراد مما في حاشية البناني المذكورة .
و في التوضيح[14]
ما نصه : فائدة : من الأشياء ما لا تقبل النيابة فيه بالإجماع كالإيمان بالله عز
وجل و منها ما تقبل النيابة فيه إجماعا كالدعاء و الصدقة ورد الديون و الودائع ,
واختلف في الصوم والحج , والمذهب أنهما لا يقبلان النيابة , وكذا القراءة لاتصل
على المذهب . حكاه القرافي[15]
في قواعده , والشيخ ابن أبي جمرة وهو
المشهور من مذهب الشافعي , وذكره النووي في الأذكار , ومذهب أحمد وصول القراءة ,
ومذهب مالك كراهة القراءة على القبور , ونقله سيدي ابن أبي جمرة[16]
في شرح البخاري : قال : لأنا مكلفون بالتفكر فيما قيل لهم وما ذا لقوا , ونحن
مكلفون بالتدبر في القرآن , فـَآل الأمر إلى إلى إسقاط أحد العملين . انتهى كلام
التوضيح في باب الحج .
وفي الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد
القيرواني[17]
عند قول الرسالة :* و لم يكن ذلك عند مالك أمرا معمولا به * ما نصه : بل يكره عنده
قراءة يس[18]
أو غيرها عند موته أو بعده[19]
أو على قبره , قال ابن عرفة[20] و
غيره من العلماء : و محل الكراهة عند مالك في تلك الحالة إذا فعلت على وجه السنية
, وأما إذا فعلت على وجه التبرك بها و رجاء حصول بركة القرآن للميت , فلا , وأقول
هذا هو الذي يقصده الناس بالقراءة فلاينبغي كراهة ذلك في هذا الزمان , و تصح الإجارة
عليها[21] .
قال القرافي : والذي يظهر حصول بركة القرآن للأموات كحصولها بمجاورة الرجل الصالح[22] ,
و بالجملة فلا ينبغي إهمال أمر الموتى من القراءة و لا من التهليل الذي يفعل عند
الدفن , والإعتماد في ذلك كله على الله تعالى و سعة رحمته .
وذكر صاحب المدخل أن من أراد حصول بركة قراءته
وثوابها للميت بلاخلاف فليجعل آخر ذلك دعاء , فليقل : اللهم أوصل ثواب ما قرأناه لفلان
, أو ما قرأته , وحينئذ يحصل للميت ثواب القراءة , و للقارئ ثواب الدعاء .
انتهى
جواب الشيخ سيدي الكبير رحمه الله .
و
الحمد لله أوّلا و آخرا
[1]
ـ أي الشيخ سيدي
الكبير : هو الشيخ سيدي بن المختار بن الهيبه ولد سنة 1190هـ _ 1773م , عالم كبير
ووليّ معروف وشيخ مشهور , ذو نفوذ فكري وسياسي عظيم جدا من أبرز الوجوه في حياة
بلاد شنقيط خلال القرن 13هـ 19م ,شهد له القاصي و الداني بالعلم و الورع والتقى
والصلاح وبذل المعروف والسعي في مصالح العباد والبلاد , وكان رحمه الله مجاب الدعوة , دمث الأخلاق , سخيا , كريما , جوادا , حكيما
ذا بصيرة ثاقبة , ووجاهة عظيمة , ومهابة جليلة , وكرامات مشهودة , له مؤلفات عديدة ورسائل مهمة تعكس سعة
علمه وغزارة معارفه وشموليتها , توفي رحمه الله سنة 1284هـ 1868م.
[2]
ـ من المتفق عليه : أن
الميت ينتفع بما كان سبباً فيه من أعمال البر في حياته ، لما رواه مسلم وأصحاب
السنن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا مات ابن آدم انقطع
عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ] وروى
ابن ماجه عنه : أنه صلى الله عليه وسلم قال:[ إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته
بعد موته ، علماً علمه ونشره ، أو ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورثه . أو مسجداً
بناه ، أو بيتاً بناه لابن السبيل أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته
وحياته، تلحقه من بعد موته ] .
وروى مسلم عن جرير بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من
أجورهم ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من يعمل بها من بعده من
غير أن ينقص من أوزارهم شيء ] .
أما ما ينتفع به من أعمال البر الصادرة عن غيره فبيانها فيما يلي :
_. الدعاء والاستغفار له ، وهذا مجمع عليه لقول الله تعالى : ( والذين جاؤوا من
بعدهم يقولون:ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا
غلاً للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم ) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم [
إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ] وحُفِظَ من دعاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم : [ اللهم اغفر لحينا وميتنا ]
ولا زال السلف والخلف يدعون للأموات ويسألون لهم
الرحمة والغفران دون إنكار من أحد.
_ . الصدقة : وقد حكى النووي الإجماع على أنها تقع عن الميت ويصله ثوابها
سواء كانت من ولد أو غيره ، لما رواه أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة : أن رجلاً
قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص ، فهل يكفر عنه أن
أتصدق عنه؟ قال : "نعم" .
وعن الحسن عن سعد بن عبادة . أن أمه ماتت. فقال: يا رسول الله : إن أمي
ماتت أفأتصدق عنها ؟ قال : "نعم". قلت : فأيُّ الصدقةِ أفضلُ ؟ قال
: "سقيُ الماء" قال الحسن : فتلك سقاية آل سعد بالمدينة . رواه أحمد
والنسائي وغيرهما . ولا يشرع إخراجها عند المقابر، ويكره إخراجها مع الجنازة .
وروى الإمام أحمد في
مسنده عن
عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ
نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ
الْعَاصِي نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَةً وَأَنَّ عَمْرًا سَأَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:( أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ
كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ ).الحديث
:6704
_ . الصوم : لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال
: [ لو كان على أمك دين أكنتَ قاضيَه عنها ] ؟ قال : نعم. قال
: [ فدين اللهِ أحقُّ أن يُقضى ] .
_ . الحج : لما رواه البخاري عن ابن عباس : أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحُجَّ عنها ؟
قال : [ حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دينٌ أكنتِ قاضيَتَه ؟ اقضوا فالله أحق
بالقضاء ] .
[3]
ــ ابن
جزي الكلبي
(693
- 741 هـ = 1294 - 1340 م)
محمد
بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي، أبو القاسم: فقيه من العلماء
بالاصول واللغة. من أهل غرناطة. من كتبه " القوانين الفقهية في تلخيص مذهب
المالكية - ط " بتونس، و " تقريب الوصول إلى علم الاصول " و "
الفوائد العامة في لحن العامة " و " التسهيل لعلوم التنزيل - ط "
تفسير، و " الانوار السنية في الالفاظ السنية - ط " و " وسيلة
المسلم " في تهذيب صحيح مسلم، و " البارع في قراءة نافع " و "
فهرست " كبير اشتمل على ذكر كثيرين من علماء المشرق والمغرب. وهو من شيوخ
لسان الدين ابن الخطيب. قال المقريزي: فقد وهو يحرض الناس يوم معركة طريف.
[4]ـ قال القرطبي في
تفسيره عند هذه الآية : وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ
إِلَّا مَا سَعَى " يَعْنِي الْكَافِر وَأَمَّا الْمُؤْمِن فَلَهُ مَا سَعَى
وَمَا سَعَى لَهُ غَيْره .
قُلْت : وَكَثِير مِنْ
الْأَحَادِيث يَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل , وَأَنَّ الْمُؤْمِن يَصِل إِلَيه
ثَوَاب الْعَمَل الصَّالِح مِنْ غَيْره , وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِير مِنْهَا لِمَنْ
تَأَمَّلَهَا , وَلَيْسَ فِي الصَّدَقَة اِخْتِلَاف , كَمَا فِي صَدْر كِتَاب
مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك .
وقال محمد الامين
الشنقيطي في أضواء البيان عند هذه الآية : وقوله
تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى } يدل
على أن الإنسان لا يستحق أجراً إلا على سعيه بنفسه ، ولم تتعرض هذه الآية لانتفاعه
بسعي غيره بنفي ولا إثبات ، لأن قوله : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا
سعى } قد دلت اللام فيه على أنه لا يستحق ولا يملك شيئاً إلا بسعيه ، ولم تتعرض
لنفي الانتفاع بما ليس ملكاً له ولا مستحقاً له . وقد جاءت آية من كتاب الله تدل على أن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره
وهي قوله تعالى {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا
بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ }.
وقد أوضحنا وجه الجمع بين قوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ
إِلاَّ مَا سعى} وبين قوله : { والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ
} الآية . في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة النجم ، وقلنا فيه
ما نصه والجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أن الآية إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه ، ولم تدل
على نفي انتفاعه بسعي غيره ، لأنه لم يقل : وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى ،
وإنما قال وأن ليس للإنسان ، وبين الأمرين فرق ظاهر ، لأن سعي الغير ملك لساعيه إن
شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير ، وإن شاء أبقاه لنفسه .
وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالصلاة عليه والدعاء له والحج
عنه ونحو ذلك ما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه .
الثاني : أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم ، إذ لو
كانوا كفاراً لما حصل لهم ذلك . فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره
من المسلمين ، كما وقع في الصلاة في الجماعة ، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها
الأجر زيادة على صلاته منفرداً ، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير سعى فيه المصلي
بإيمانه وصلاته في الجماعة ، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى : { واتبعتهم
ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ } .
الثالث : أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد ليس للأولاد كما هو
نص قوله تعالى : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى } ولكن من سعي الآباء
فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه ، بأن رفع إليهم أولادهم ليتمتعوا في الجنة
برؤيتهم .
فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها ، لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء
لا الأولاد ، فانتفاع الأولاد تبع فهو بالنسبة إليه تفضل من الله عليهم بما ليس
لهم ، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين ، والخلق الذين ينشؤهم للجنة .
والعلم عند الله تعالى . اه منه.
[5] ــ هو محمد بن
الحسن بن مسعود البناني ، أبو عبد الله: فقيه مالكي.علامة فاس ومحققها في جيله
المتوفى سنة 1194 هـ. قال الشيخ الرهوني: " وكان عالماً بالتفسير والحديث
والفقه والأصول والكلام والتصوف، ذا دين متين وتؤدة عظيمة وهدي حسن، منقبضا عن
السلطان زاهداً في عطاياه " ... الخ " , كان خطيب الضريح الإدريسي بها ،
وإمامه , له كتب ، منها (حاشية البناني على شرح الزرقاني لمختصر خليل : المسماة
"الفتح الرباني فيما ذهل عنه الزرقاني") حاشية استدرك بها على الزرقاني
ما ذهل عنه في شرحه على (مختصر خليل) و (حاشية على شرح السنوسي لمختصره في المنطق
) و (فهرسة ) في إسناد ما أخذه عن أشياخه
, ويقال إنه عرف عند أهل المغرب ب (بناني) من دون التعريف بأل، للتفريق بينه وبين
(البناني) نزيل مصر.
[6]ــ وفي "المغني" لابن قدامة الحنبلي في الاحتجاج لوصول ثواب
قراءة القرآن للميت قوله: "وهذه أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب، لأن الصوم
والحج والدعاء والاستغفار
عبادات بدنية قد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها مع ما ذكرنا من الحديث في
ثواب من قرأ سورة (يس) وتخفيف الله -تعالى- عن أهل المقابر بقراءته، ولأنه إجماع المسلمين، فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون
ويقرأون القرآن ويهدون
ثوابه إلى موتاهم من غير نكير" (المغني ج2 568(.
وقد صرح الحنفية بانتفاع
الميت بإهداء ثواب قراءة القرآن له، فقد جاء في "الدر المختار ورد المحتار": "ويقرأ سورة (يس) لما ورد: من دخل
المقابر فقرأ سورة (يس) خفف الله عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات" (الدر المختار
ورد المحتار ج2 ص243).
وقول شيخ الإسلام ابن تيمية في قراءة القرآن للميت :إن ثوابها يصل إليه فقد ذكر أن في
هذه المسألة قولين للعلماء، ثم رجح القول بوصول ثواب قراءة القرآن للميت فقال: "وأما الصيام، وصلاة التطوع، وقراءة القرآن فهذا فيه قولان للعلماء: الأول:- ينتفع به وهو
مذهب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما. الثاني: لا تصل إليه وهو المشهور في مذهب مالك.
ثم قال في فتوى
له: وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية: كالصوم والصلاة وقراءة القرآن، والصواب أن الجميع يصل إليه، أي
يصل ثوابها إلى الميت"((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج24 ص315، ص366).
[7]
_ قال الإمام النووي:
"والمشهور في مذهبنا -أي مذهب الشافعي- أن قراءة القرآن للميت لا يصله ثوابها. وقال
جماعة من أصحابنا: يصله ثوابها. وبه قال أحمد بن حنبل. (صحيح مسلم بشرح النووي ج7ص90).
[8]
_ إذا قرىء القرآن بعيدا عن الميت أو عن القبر وامتنع انتفاعه به بحكم
المجاورة وحضور الملائكة،
اختلف الفقهاء فى جواز انتفاع الميت به ، وهناك ثلاث حالات دار الخلاف حولها بين الجواز وعدمه
: الحالة الأولى : إذا قرأ القارئ ثم دعا اللّه بما قرأ أن يرحم الميت أو يغفر له ، فقد توسل القارئ إلى اللَّه بعمله الصالح
وهو القراءة، ودعا
للميت بالرحمة، والدعاء له متفق على جوازه وعلى رجاء انتفاعه به إن قبله اللَّه ، كمن توسلوا إلى
اللّه بصالح أعمالهم فانفرجت عنهم الصخرة التى سدت فم الغار. وفى هذه الحالة لا ينبغي أن يكون هناك خلاف يذكر فى عدم نفع
الميت بالدعاء بعد
القراءة .
الحالة الثانية : إذا قرأ القارىء ثم دعا اللّه أن يهدى مثل ثواب قراءته إلى الميت .
قال ابن الصلاح : وينبغى الجزم بنفع : اللهم أوصل ثواب ما قرأناه ، أي مثله ،
فهوالمراد ، وأن يصرح به لفلان ، لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعى فما له أولى،
ويجري ذلك فى سائر الأعمال . ومعنى كلام ابن الصلاح أن الداعي يدعو اللّه أن يرحم
الميت : والرحمة ليست ملكا له بل للَّه ، فإذا جاز الدعاء بالرحمة وهي ليست له فأولى أن يجوز الدعاء بما له هو وهو ثواب
القراءة أو مثلها .
وكذلك يجوز فى كل قربة يفعلها الحي من صلاة وصيام وصدقة، ثم يدعو
بعدها أن يوصل اللَّه مثل ثوابها
إلى الميت . وقد تقدم كلام ابن قدامة في المغني عن ذلك . والدعاء بإهداء مثل ثواب القارئ إلى الميت هو المراد من قول المجيزين : اللهم أوصل ثواب ما قرأته لفلان .
الحالة الثالثة : إذا نوى القارئ أن يكون الثواب ، أي مثله ، للميت ابتداء أي قبل قراءته أو في أثنائها يصل ذلك إن شاء اللّه ،
قال أبو عبد اللَّه
الأبِيُّ : إن قرأ ابتداء بنية الميت وصل إليه ثوابه كالصدقة والدعاء ، وإن قرأ ثم وهبه لم يصل ، لأن
ثواب القراءة للقارىء لا ينتقل عنه إلى غيره .
وقال الإِمام
ابن رشد فى نوازله : إن قرأ ووهب ثواب قراءته لميت جاز وحصل للميت أجره ، ووصل إليه نفعه ، ولم
يفصل بين كون الهبة قبل القراءة أو معها أو بعدها ، ولعله يريد ما قاله الأبِيُّ . هذا، وانتفاع الميت بالقراءة مع الإِهداء أو
النية هو ما رآه المحققون
من متأخري مذهب الشافعي، وأوَّلوا المنع على معنى وصول عين الثواب الذى للقارىء أو على قراءته
لا بحضرة الميت ولا بنية ثواب قراءته له ، أو نيته ولم يدع له ، وفد رجح الانتفاع به أحمد وابن تيمية وابن القيم . وقد مر
كلامهم في ذلك . قال الشوكاني
" نيل الأوطار ج 4 ص 142 " : المشهور من مذهب الشافعي وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت
ثواب قراءة القرآن وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل ، كذا ذكره النووي في الأذكار.
[9]
ـ تضمن
كتاب المسائل الملقوطة من الكتب المبسوطة
لمؤلفه: الإمام الفقيه العالم أبي اليُمن محمد ابن الإمام القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون
(814هـ)، مادة فقهية علمية غنية، التقطها المؤلف ـ رحمه
الله ـ من كتب طالعها، ودروس حضرها، وكتب ورثها، وأراد أن يكون كتابه هذا تذكرة يرجع إليها، فالكتاب في أصله
أشبه ما يكون بمجموعة من البطائق والجذاذات، ضُمَّ
بعضها إلى بعض لتُكون مجلدا لطيفا، فيه من المسائل الفقهية وأجوبتها والفوائد والمواعظ ما يجد فيه الطالب بغيته.
ومجموع
المواد التي أودعها المؤلف كتابه نحو
سبعمائة، منها مسائل كثيرة في فقه الصلاة، وبعض مسائل فقه الزكاة، والصيام، والحج، وبعضها يجمع هذه الأركان. كما
أخذت مسائل النكاح و البيوع حيزاً كبيراً من الكتاب،
ومن المسائل أيضا ما يتعلق بفقه الوقف والشفعة، وأبواب القضاء والشهادات والدعاوى، والحدود والعقوبات، وأورد
ابن فرحون في هذا الكتاب عدداً من الأشباه والنظائر
في أبواب مختلفة، واعتنى بذكر الحدود اللغوية والاصطلاحية.
[10]
_ ابن هلال (817 - 903 ه = 1414 - 1497 م) إبراهيم بن
هلال بن علي، أبو إسحاق الصنهاجي نسبا الفلالي السجلماسي: فقيه من علماء المالكية.
كان مفتي سجلماسة في المغرب الاقصى وعالمها. ووفاته بها
له كتب منها (النوازل - ط) جزآن، رتبه علي بن أحمد
الجزولي، و (الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير - ط) و (الاجوبة - ط) فقه، و
(شرح البخاري) أربعة أسفار، و (شرح مختصر
خليل) و
(فهرست - خ) 27 ورقة، في الرباط (271 ك) و (اختصار الديباج المذهب لابن فرحون - خ).
[11] ـ ابن رشد (520 -
595 هـ = 1126 - 1198 م) محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي،
أبوالوليد:القاضي الفقيه المالكي الفيلسوف
, من أهل قرطبة كان دمث الأخلاق، حسن الرأي , عرف المنصور (المؤمني) قدره فأجله
وقدمه, واتهمه خصومه بالزندقة والإلحاد، فأوغروا عليه صدر المنصور، فنفاه إلى
مراكش، وأحرق بعض كتبه، ثم رضي عنه وأذن له بالعودة إلى وطنه، فعاجلته الوفاة
بمراكش، ونقلت جثته إلى قرطبة، قال ابن الأبار: كان يفزع إلى فتواه في الطب كما
يفزع إلى فتواه في الفقه. ويلقب بابن رشد " الحفيد " تمييزا له عن جده
أبي الوليد محمد بن أحمد (المتوفى سنة 520), له العديد من المصنفات تزيد على
الخمسين في شتى العلوم , منها : "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" و" التحصيل " في اختلاف مذاهب
العلماء و" الضروري " في المنطق
و "منهاج الأدلة " في الأصول . [ الأعلام للزركلي ، والصلة ص 518
، والديباج ص 378 ] .
[12]
ــ والظاهر أن الدعاء متفق
عليه أن ينفع الميت والحى، والقريب والبعيد، بوصية وغيرها ، وعلى ذلك أحاديث كثيرة ، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر
الغيب .هذا، وقد قال الأبِيُّ :
والقراءة للميت ، وإن حصل الخلاف فيها فلا ينبغي إهمالها ، فلعل الحق الوصول ، فإن هذه الأمور مغيبة عنا ، وليس الخلاف فى حكم
شرعي إنما هو فى أمر
هل يقع كذلك أم لا. وأنا مع الأبِي فى هذا الكلام ، فإن القراءة للميت إن لم تنفع الميت فهي للقارئ ،
فالمستفيد منها واحد منهما، ولا ضرر منها على أحد. مع تغليب الرجاء فى رحمة اللّه وفضله أن يفيد بها الميت كالشفاعة
والدعاء وغيرهما .
[13]
ــ عز الدين بن
عبد السلام ( 577 ـ660 هـ )
هو
عبد العزيز بن عبد السلام أبي القاسم بن الحسن السلمي ، يلقب بسلطان العلماء .
فقيه شافعي مجتهد . ولد بدمشق وتولى التدريس والخطابة بالجامع الأموي . انتقل إلى
مصر فولي القضاء والخطابة .
من
تصانيفه : (( قواعد الأحكام في مصالح الأنام )) و(( الفتاوى)) ، و(( التفسير
الكبير )).
من
:[ الأعلام للزركلي 4/145 . وطبقات السبكي 5/80 ]
[14]
ــ التوضيح : هوشرح
لمختصر ابن الحاجب المسمى " جامع الأمهات " في الفقه المالكي , ألفه :
خليل بن إسحاق بن موسى , ضياء الدين الجندي صاحب : " المختصر " في الفقه
المالكي المشهور( توفي سنة 776 هـ ).
[15] ــ القرافي : هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن
، أبو العباس ، شهاب الدين القرافي . أصله من صنهاجة ، قبيلة من بربرالمغرب .
نسبته إلى القرافة وهي المحلة المجاورة لقبر الإمام الشافعي بالقاهرة . فقيه مالكي
ولد سنة 626هـ , مصري المولد والمنشأ والوفاة . انتهت إليه رئاسة الفقه على مذهب
مالك . من تصانيفه : ( ( الفروق ) ) في القواعد الفقهية ؛ و ( ( الذخيرة ) في الفقه
؛ و( شرح تنقيح الفصول في الأصول ) و(الأحكام
في تمييز الفتاوى من الأحكام ), توفي سنة 684 هـ .
[ الأعلام للزركلي ؛ الديباج ص 62 - 67 ؛ شجرة النور ص 188 ]
[16]
ــ ابن
أبي جمرة (000 - 695 هـ = 000 - 1296 م)
عبد
الله بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة الازدي الأندلسي، أبو محمد: من العلماء بالحديث،
مالكي. أصله من الأندلس ووفاته بمصر. من كتبه " جمع النهاية - ط " اختصر
به صحيح البخاري، ويعرف بمختصر ابن أبي جمرة، و " بهجة النفوس - ط " في
شرح جمع النهاية، و " المرائي الحسان - ط " في الحديث والرؤيا .
[17]
ــ الفواكه
الدواني لمؤلفه : أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي (المتوفى : 1126هـ)
[18]
ــ جاء
في سنن أبي داود : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْعَلَاءِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ الْمَرْوَزِيُّ الْمَعْنَى قَالَا
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اقْرَءُوا يس عَلَى
مَوْتَاكُمْ) .الحديث :2714, وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْعَلَاءِ.
وفي مسند الإمام أحمد : حَدَّثَنَا
عَبْدُِ اللَّه حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا عَارِمٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْبَقَرَةُ سَنَامُ الْقُرْآنِ
وَذُرْوَتُهُ نَزَلَ مَعَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ثَمَانُونَ مَلَكاً وَاسْتُخْرِجَتْ
(اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ
فَوُصِلَتْ بِهَا أَوْ فَوُصِلَتْ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَ( يس) قَلْبُ
الْقُرْآنِ لاَ يَقْرَأُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
وَالدَّارَ الآخِرَةَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ وَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ ».20836
وقد صرح الحنفية بانتفاع الميت
بإهداء ثواب قراءة القرآن له، فقد جاء في "الدر المختار
ورد المحتار": "ويقرأ سورة ( يس) لما ورد: من دخل المقابر فقرأ سورة (يس خفف الله عنهم يومئذ، وكان له بعدد
من فيها حسنات" (الدار المختار ورد المحتار ج2 ص243).
[19]
ــ وقد أعل الدارقطنى وابن القطان حديث ( يس ) ،
لكن صححه ابن حبان والحاكم ، وحمله المصححون له على القراءة على الميت حال الاحتضار، بناء على حديث فى
مسند الفردوس " ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هون اللّه عليه " . لكن بعض
العلماء قال : إن لفظ الميت
عام لا يختص بالمحتضر ، فلا مانع من استفادته بالقراءة عنده إذا انتهت حياته ، سواء دفن أم لم يدفن ، روى البيهقى بسند حسن
أن ابن عمر استحب قراءة أول سورة البقرة وخاتمتها على القبر بعد الدفن . فابن حبان الذي قال فى صحيحه
معلقا على حديث " اقرءوا على موتاكم يس " أراد به من حضرته المنية لا أن الميت
يقرأ عليه ، رد عليه المحب
الطبرى بأن ذلك غير مسلم له وإن سلم أن يكون التلقين حال الاحتضار .
قال الشوكانى
: واللفظ نص فى الأموات ، وتناوله للحي المحتضر مجاز فلا يصار إليه إلا لقرينة . " نيل
الأوطار ج 4 ص 52 " .
والنووي ذكر فى رياض الصالحين تحت عنوان : الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار
والقراءة " الباب
الحادى والستون بعد المائة " ذكر أن الشافعى قال : يستحب أن يقرأ عنده شىء من القرآن ، وإن ختموا
القرآن كان حسنا . وجاء فى المغنى لابن قدامة " ص 758" : تسن قراءة القرآن عند القبر
وهبة ثوابها ، وروى أحمد أنه بدعة ، ثم رجع عنه . وكره مالك وأبو حنيفة القراءة عند القبر حيث لم ترد بها السنة . لكن القرافي
المالكي قال : الذى يتجه أن يحصل للموتى بركة القراءة، كما يحصل لهم بركة الرجل
الصالح يدفن عندهم أو
يدفنون عنده .
[20] ـ هو محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي
المالكي ، من فقهاء المالكية ، ومن علماء العربية ، ينسب لدسوق بمصر ، تعلم وأقام
وتوفي في القاهرة سنة 1230هـ . من مصنفاته : الحدود الفقهية ، وحاشية على مغني
اللبيب ، وحاشية على السعد التفتازاني ، وحاشية على الشرح الكبير لمختصر خليل ،
وحاشية على شرح السنوسي لمقدمته أم البراهين . يراجع في ترجمته : الأعلام 6 / 17 ،
معجم المؤلفين 8 / 292 .
[21]
ــ وهذا
الخلاف محله إذا قرئ القرآن بغير أجر، أما إن قرئ بأجر, الجمهور على عدم انتفاع الميت به ، لأن القارئ أخذ ثوابه
الدنيوي عليها فلم يبق لديه ما يهديه أو يهدي مثل ثوابه
إلى الميت ، ولم تكن قراءته لوجه اللَّه حتى يدعوه بصالح عمله أن ينفع بها الميت ، بل كانت القراءة للدنيا .
ويتأكد ذلك إذا كانت هناك مساومة أو اتفاق سابق على
الأجر أو معلوم متعارف عليه ، أما الهدية بعد القراءة إذا لم تكن نفس القارئ متعلقة بها فقد يرجى من القراءة
النفع للميت, والأعمال بالنيات ، وجاء في الحديث الذي رواه أحمد و الطبراني
والبيهقي عن عبد الرحمن بن شبل ( اقرأوا القرآن
واعملوا به ، ولا تجْفوا عنه ، ولا تَغْلوا فيه ، ولا تأكلوا به ، ولا تستكثروا به ) قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات ،وقال
ابن حجر فى الفتح :سنده قوي .
وفسر الأكل به بأخذ الأجرة عليه ، كما
فسره بالاستجداء به والتسول .
[22]
ــ وقال القرافي في نفس السياق : وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى
التَّكْلِيفِ فَقَدْ حَصَلَتْ بَرَكَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمَا كَمَا ثَبَتَ بِالْجُمْلَةِ .
وقال ابن أبي شيبة في
مصنفه : حَدَّثَنَا
حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ ، قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَيُصْلِحُ بِصَلاَحِ الْعَبْدِ وَلَدَهُ
وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَأَهْلَ دُوَيْرَتِهِ وَأَهْلَ الدُّوَيْرَاتِ حَوْلَهُ ،
فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظٍ مِنَ اللهِ مَا دَامَ بَيْنَهُمْ. وقال سعيد بن
المسيب لابنه : لأزيدنَّ في صلاتي مِنْ أجلِك ، رجاءَ أنْ أُحْفَظَ فيكَ ، ثم تلا
هذه الآية { وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً } ، وقال عمرُ بن عبد العزيز : ما من
مؤمن يموتُ إلاَّ حفظه الله في عقبه وعقبِ عقبه .
وقال ابْنُ عَرَفَةَ
قَبِلَ عِيَاضٌ اسْتِدْلَالَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ
عَلَى الْقَبْرِ بِحَدِيثِ الْجَرِيدَتَيْنِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ .
وقال ابْنُ رُشْدٍ فِي
نَوَازِلِهِ ضَابِطُهُ : إنْ قَرَأَ الرَّجُلُ وَوَهَبَ ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ لِمَيِّتٍ جَازَ ذَلِكَ وَحَصَلَ لِلْمَيِّتِ
أَجْرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .إهـ
هذا ما تيسر من تحقيق
لهذه الفتوى , وأرجو من الله العلي القدير أن ينفع به , و أن يكون خالصا لوجهه
الكريم , وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه .
وكتبه عبد ربه الغني به
: إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي