السبت، 21 يناير 2012

يائية الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا ـــ رحمهما الله تعالى ــــ((عَلَى دُورانِ "أوْكارَ" التَّحايَا)).


يائية الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا ـــ رحمهما الله تعالى ــــ((عَلَى دُورانِ "أوْكارَ" التَّحايَا))

مشروحة:[الوافر]

يقول ـــ رحمه الله تعالى ـــــ:


1.

عَلَى دُورانِ "أوْكارَ" التَّحايَا

تَواصَلُ بِالغَدايَا والعَشايَا1

2.

بِـ"ذات اليُمْنِ" فالأَنْقاءِ مِنْهَا

فَـ"نَجْدِ بَنِي الْمُبارَكِ" فَـ"الكَنَايَا2

3.

إِلَى "تَلّ الْحُبارِ" فَـ"نَجْدِ نِصْفٍ"

إلى جَرْعاوَيِ الأرْطَى فَـ"فايَا3

4.

فَـ"بَيْضاءِ التَّماشُنِ" فَالرَّوابِي

رَوابِي "التَّوْأَماتِ" فَـ"ذِي السَّرايَا4

5.

إِلَى "هَضْبِ السَّيالِ" فَـ"أَيْدَماتٍ"


مَعاهِدُ حُبُّهُنَّ لَنَا سَجايَا5

6.

وَخِرْناهَا لَنَا دُونَ الأَراضِي

وَخارَتْنَا لَهَا دُونَ البَرايَا6

7.

فَلاَ أَبْغِي بِهَا بَلَداً سِواهَا

وَلاَ هِيَ تَبْتَغِي أحَداً سِوايَا

8.

بِأَكْثِبَةٍ دَمائِثَ هائِلاتٍ

عُيُونُ النَّاظِرِينَ لَهَا سَبايَا7

9.

يُفَضِّضُهَا الْهَجيرُ وكُلُُّ بَدْرٍ

وَتُذْهِبُهَا العَشَايَا والغَدايَا8

10.

يَوَدُّ ذَوُو البُلَهْنِيَةِ اضْطِجاعاً

بِهَا بَدَلَ الطَّنافِسِ والْحَشَايَا9

11.

تَرَى الأسْباطَ فِيهَا والأَراطَى

كَزَيْنِ البِيضِ أيَّامَ الضَّحَايَا10

12.

وَغِيطاناً كَأَنَّ بِهَا بِحاراً

مِنَ الأقَطِ الْمُمَوَّهِ بِالمَرايَا11

13.

فَإِنْ تَكُ أَصْبَحَتْ مِنَّا عَوارٍ

فَأَهْواءِ الْقُلُوبِ لَهَا عَرَيَا12

14.

وإِنْ دَرَسَتْ مَنازِلُهَا فَلاحَتْ

كَرَجْعِ الْوَشْمِ فِي أَيْدِي البَغَايَا13

15.

فَمَا تَدْرُسْ ولاَ تُفْقِرْ مَغانٍ

لَهُنَّ لَهَا أضالِعُنَا زَوايَا14

16.

وَلَوْ غُنِمَ الهَوَى مِنَّا لَكانَتْ

لَهَا المِرْباعُ مِنْهُ والصَّفَايَا15

17.

أ"ذَات الْيُمْنِ" لاَ زالَتْ نَواحِيـ

كِ آمِنَةَ الْجَنَابِ مِنَ الْبَلاَيَا16

18.

فَدَى كُثْبَانَكِ الْكُثْبانُ طُرّاً

وَتَفْدِيكِ الزَّواخِرُ والرَّكَايَا17

19.

وَلاَ زَالَتْ دِيَارُكِ آهِلاتٍ

وَلاَ حَلَّتْ بِساحَتِكِ 18

20.

وَجَادَ لَك السَّماءُ بِكُلِّ عَيْنٍ

هَجُومِ الوَدْقِ دالِحَةِ الرَّوايا19

21.

يُبِينُ الْبَرْقُ مِنْ شِمْراخِهَا عَنْ

كَأسْنِمَةِ الْمُهَجَّنَةِ القَصَايَا20

22.

تُنَمْنِمُ بِالأَسافِلِ مِنْكَ وَشْياً

وَتَلْوِي بِالأَعالِي مِنْكِ رَايَا21

23.

فَتَشْرِقُ مِنْ أزاهِرِهَا دَرارٍ

بِلَيْلِ الرَّوْضِ فِي بُرْجِ العَذايَا22

24.

إذَا فاضَتْ غُرُوبُ السُّحْبِ فَيْضاً

فأفْعَمَتِ الْمَحانِيَ والثَّنَايَا23

25.

تَبَسَّمَ مِنْ أكِنَّتِهَا كِظامٌ

عَنَ ارْؤُسَ كالعَوارِضِ والثَّنايَا24

26.

كأنَّ السُّحْبَ يَبْكِينَ البَرَارِي

وَزَهْرَ الرَّوْضِ يَشْمَتُ بِالرَّمَايَا25

27.

فَتَغْدُو غِبَّهَا عُوذُ الْقَصايَا

تُساجِلُهَا البَكايَا والقَصايَا26

28.

وَلاَ زالَ القِلاصُ يَخِدْنَ خُوصاً

يَسِمْنَ الْعَفْرَ تَحْلِيلَ الألايَا27


29

بِعُوجٍ كالْخَذارِيفِ اسْتَمَرَّتْ

يُخَذْرِفْنَ الْحَصَا سُمْرَ العَجايَا28

30.

بَرَاهَا النَّصُّ والدِّيدَى فآلَتْ

- وَقَدْ رُحِلَتْ نَواعِمَ - كَالبَلاَيَا29

31.

تَكادُ لِضُمْرِهَا الكيِرانُ عَنْهَا

تَزِلُّ بِرَكْبِهَا لَوْلاَ الْوَلاَيَا30

32.

بِكُلِّ تَنُوفَةٍ تَحْكِي سَمَاهَا

كَمَا حاكَتْ أهِلَّتُهَا الْمَطايَا31

33.

يُؤَدِّي كُلُّ سَفْرٍ سارَ فِيهَا

لَهَا خَرْجاً مِنَ اشْلاءِ الرَّذايَا32

34.

بِشُعْثٍ شاحِبِينَ لِرَمْيِ بِيدٍ

بِهْمْ بِيداً عَنَ اشْبَاهِ الْحَنَايَا33

35.

إلَى أهْلِيكِ بَيْنَ أُولِي انْتِجَاعٍ

نَداهُمْ أَوْ أُولِي رَفْعٍ شكايا34

36.

فَيَشْكُونَ الأُلَى رَفَعُوا الشَّكَايَا

وَيُعْطُونَ الأُلَى طَلَبُوا الْعَطَايَا35

37.

وإِنْ حَطُّوا الرِّحالَ لَدَيْكِ حُطَّتْ

رِحالُ الفَقْرِ عَنْهُمْ والْخَطَايَا36

38.

وآبُوا بِالذِي أمَلُوا جَميعاً

كَمَا صَدَرَتْ عَنِ الزُّفَرِ الرَّوايَا37

39.

وَتَحْبِسُهُمْ مَتَى رَامُوا انْصِرافاً

حَوابِسُ وُدِّهِمْ حَبْسَ الأخَايَا38

40.

ولاَ زَالَتْ مَدَارِسُ عامِراتٍ

لَدَيْكِ مِنَ "الأَعَارِبِ" و"الزَّوَايَا"

41.

فَمِنْ قَارِي قُرانٍ أوْ كَلامٍ

وَمِنْ قَارِي الطَّهارَةِ والوَصَايَا39

42.

وَتَصْرِيفٍ وَتَمْرِينٍ وَنَحْوٍ

وَرُوَّامِ الْمَعَانِي والقَضَايَا40

43.

وَرُوَّامِ التَّصَوُّفِ والْمَعالِي

وَرُوَّامِ الدَّراهِمِ والوَقَايَا41

44.

لأنْتِ أحَبُّ أَرْضِ اللهِ عِنْدِي

وَأنْتِ مِنَ الأمَاكِنِ مُصْطَفَايَا

45.

وَمَا زادَ الْمَكانُ إِلَيْكِ قُرْباً

يَزِدْهُ ذاكَ حُبّاً فِي هَوَايَا

46.

لأَنَّكِ أنْتِ أَنْجَعُهَا نَمِيراً

وَرَعْياً فِي الأنَامِ وَفِي الرَّعَايَا42

47.

فَلَوْ أَنَّ البِلادَ خُلِقْنَ شَخْصاً

لَكُنْتِ الأَنْفَ والغَيْرُ الأُلايَا43

48.

وإِنْ تَكُ نِسْوَةٌ يُصْلَفْنَ كُلاًّ

وَتَبْقَيْ عِنْدَنَا أَحِْظَى الْحَظَايَا44

49.

وَلَوْ نَظَرَ البِلادُ إِلَيْكِ يَوْماً

لَغَصَّتْ عَنْكِ أَعْيُنَهَا خَزَايَا45

50.

وَوَلَّتْ حُسَّداً لَكِ مُذْعِناتٍ

وَأَنْفُسُهَا بِفَضْلِكَهَا سَخايَا46

51.

وإِنْ قالَ الْمُشَوِّهُ فِيكَ نَاءَتْ

عَنِ الأخْصاصِ - شُوِّهَ - والْخَلايَا47

52.

وَكانَ يَظُنُّ أنَّ الرِّزْقَ - جَهْلاً

ضَمانَ اللهِ إِذْ خَلَقَ الْحَوايَاـــــ48

53.

تَعَلَّقَ بِالسَّوادِنِ والنَّصارَى

ومَا للهِ دُونَهُمُ خَبايَا49


54.

فَأَمُّ الأرْضِ مَبْعَثُ خَيْرِ هَادٍ

وَبَيْتُ اللهِ فِيهَا ذُو الْهَدَايَا50

55.

وَلَيْسَ بِهَا السَّوادِنُ والنَّصَارَى

وَلَيْسَ لَهَا مُضاهٍ فِي الْمَزَايَا51

56.

وَفَضَّلَهَا الإلَهُ عَلَى الأراضِي

سِوَى جَدَثٍ حَوَى خَيْرَ البَرَايَا52

57.

صَلاَةُ اللهِ يَحْدُوهَا سَلامٌ

تَخَيَّرَهَا السَّلامُ مِنَ التَّحَايَا

58.

عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ مَا

تَعَاقَبَتِ الْعَشَايَا والغَدَايَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) دوران جمع: دار، وهي المحل يجمع البناء والعرصة، وقد تذكر وله عشرة جموع منها: أدؤر، وأدرر، وديار، ودوران، وأدورة. وتواصل أصلها: تتواصل، وحذفت التاء الأولى كما في قوله تعالى: }تنزل الملائكة والروح{ أي تتنزل. و"آوكار" أرض متسعة المسافة فيها مناهل وقفار ممتدة تقع بين "أكان" و"آمشتيل" و"آفطوط" و"العقل"، وهذه أماكن كلها موريتانية معروفة.

(2) "ذات اليمن": وتسمى في العامية: "تامرزكيت" وهي بئر لأهل الشيخ سيدي وهي كثيرة الذكر في شعر الرجل، وقد عربها في نص آخر بـ"ميمونة السعدى", و"الأنقاء" جمع: نقا وهو من الرمل القطعة تنقاد محدودبة، وهما نقوان ونقيان، والجمع أنقاء ونقي. "نجد بني المبارك" يعرف في العامية ب"علب أولاد امبارك"، و"الكنايا" موضع معروف في "فاي".

(3) "تل الحبار" ويعرف في الحسانية بـ"علبْ لَحْبارَ". و"نجد نصف" يعرف هو الآخر في الحسانية بـ"علب النص" ويقع في "آوكار". "جرعاوي الأرطى": فجر عاوي تثنية جرعاء وهي الأرض المنبسطة الممتدة، وتعرف في الحسانية بـ"الطرحة" والأرطى: شجر ينبت بالرمل شبيه بالغضى، ينبت عصياً من أصل واحد يطول قدر قامة وله نَور مثل نَور الخلاف، ورائحته طيبة، واحدته أرطاة، والتثنية أرطيان، والجمع أرطيات. وقال سيبويه: أرطاة وأرطى، وجمع الجمع الأراطى.

(4) "بيضاء التماشن": وتعرف في الحسانية بـ"تمشانت" ومنها: "البيضاء" وهي الشرقية، و"الحمراء" وهي الغربية، وبينهما: "تاركه". "الروابي" جمع ربوة وهي المرتفع من الأرض. و"التوأمات" موضع معروف في "آوكار". و"ذي السرايا" من مواضع "آوكار" ويعرف في الحسانية بـ"علب اصرب".

(5) "هضب السيال" ويعرف في العامية بـ"عظم التمات" و"أيدمات" موضع معروف في: "قاي". و"المعاهد" جمع معهد وهو اسم مكان من عهد الشيء إذا ألفه.

(6) "خرنا" من خار الشيء إذا انتقاه كتخيره، ويقال اخترته الرجال واخترته منهم وعليهم، والاسم الخيرة بالكسر. و"البرايا" جمع بريئة فعيلة بمعنى مفعولة من قولهم: برأ الله الخلق إذا أنشأه.

(7) "أكثبة" جمع كثيب وهو التل من الرمل، ويجمع أيضاً على كثب وكثبان، و"دمانت" لينات من دمث المكان وغيره كفرح إذا سهل ولان، و"هائلات" اسم فاعل مؤنث مجموع من هاله الأمر إذا أفزعه كهوله غير أنه في هذا السياق قد يكون من شدة الفرح والاستمتاع. و"سبايا" جمع سبي صفة مشبهة باسم الفاعل من سبى العدو سبياً وسباء أسره كأسباه فهو سبي وهي سبي، فهذه الرمال لروعتها وجمالها تأسر القلوب وتأخذ بمجامعها.

(8) "يفضضها" أي يجعل لها لوناً كلون الفضة، من فضض الشيء إذا حلاه بالفضة أو طلاه بها، والفضة عنصر أبيض قابل للسحب والطرق والصقل، من أكثر المواد توصيلاً للحرارة والكهرباء، وهو من الجواهر النفيسة التي تستخدم في سك النقود. و"تذهبها" تجعل لها لون الذهب وهو التبر، ويؤنث، واحدته بهاء، جمعه أذهاب وذهوب وذهبان بالضم، وأذهبه به كذهبه فهو مذهَب وذهيب.

(9) "ذو البلهنية" صاحب النعمة والترف، والبلهنية بضم الباء الرخاء وسعة العيش، يقال: "لا زلت ملقى بتهنية، ومبقى في بلهنية"، و"الاضطجاع" معروف مصدر اضطجع إذا وضع جنبه بالأرض، و"الطنافس" جمع طنفسة مثلثة الطاء والفاء، وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس تستعمل للاستراحة فوق البسط والحصير وهي الوسادة والنمرقة، و"الحشايا" جمع حشية وهي الفراش المحشو.

(10) "الأسباط" جمع سبط محركة، وهو الرطب من النصي، ونباته كالدخن: مرعى جيد. و"الأراطى" جمع الأرطى وهو شجر ينبت بالرمل تقدم شرحه في البيت الثالث من النص. و"البيص" الحسان و"أيام الضحايا" أيام الأعياد؟

(11) "الغيطان" جمع غائط وهو المطمئن الواسع من الأرض، ويجمع على غوط بالضم، وأغواط وغياط وغيطان، و"الأقط" مثلثة ويحرك وككتف ورجل وإيل، شيء يتخذ من المخيض الغنمي، جمعه أقطان، وأقَطَ الطعامَ (بالفتح) يأقِطه (بالكسر) عمله به، وآقط فلاناً أطعمه إياه. و"المموه" المطلي، من موه الشيء إذا طلاه بذهب أو فضة وتحته نحاس أو حديد. و"المرايا" جمع مرآة وهي ما تراءت فيه. فهو هنا يشبه لمعان الغيطان البيضاء في الهواجر وشدة السراب بالأقط المطلي بالمرايا.

(12) في البيت جناس بين "عوار" و"عرايا" فالأولى من العري، والثانية من الإعارة، والأصل في عوار عوارياً لكنه قصرها لضرورة الوزن وتناغم الشطر.

(13) هذه الصورة الشعرية وهذا التشبيه شائع في المقدمات الطللية الجاهلية، فمن ذلك قول طرفة بن العبد في مطلع معلقته:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

وقول زهير بن أبي سلمى في معلقته كذلك:

ودار لها بالرقمتين كأنها

مراجع وشم في نواشر معصم

و"الوشم" كالوعد غرز الإبرة في البدن وذر النيلج عليه، وجمعه وشوم ووشام، وقد وشمته ووشَّمته واستوشم طلبه، و"البغايا" جمع بغي وهي الفاجرة أمة كانت أو حرة، وبغت الأمة تبغي بغياً وباغت مباغاة وبغاة فهي بغِيّ وبغُوّ إذا عهرت، ولعله خص البغايا لأنهن أكثر اعتناء بالزينة والوشم، فهو يشبه آثار الرياح في المنازل برجع الوشوم في أيادي النساء الفاجرات.

(14) "فما تدرس" ما تبلى "ولا تقفر" من القفر وهو الخراب، و"المغاني" جمع مغنى وهو المنْزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا عنه، و"الأضالع" جمع ضلع وهو كعنب وجذع مؤنثة وجمعها أضلع وضلوع وأضلاع، و"زوايا" جمع زاوية وهي من البيت ركنه. والمعنى أن منازل هذه الآبار ثابتة في الضلوع راسخة في القلوب ولا تؤثر فيها عوامل التعرية ولا حادثات الليالي.

(15) في هذا البيت إشارة إلى قول ابن غنمة الضبي في يوم الشقيقة يرثي بسطاماً ويتحدث عن مكانته المتميزة في عشيرته:

لك المرباع منها والصفايا

وحكمك والنشيطة والفضول

فالمرباع هو الربع، و"الصفايا" جمع صفي وهو ما يصطفيه الملك لنفسه من الغنيمة، و"حكمك" أي نصيبك وسهمك، و"النشيطة" ما أصابه الجيش في طريقه قبل أن يصل إلى مقصده، و"الفضول" ما فضل من الغنيمة ولم يقسم. والمعنى أن هذه البئر حبيبة إلى الشاعر وتنْزل من نفسه كل مَنْزل، ولو تصورنا الهوى غنيمة لنالت منه هذه المعاهد النصيب الأوفر والحظ الأكمل.

(16) "ذات اليمن" هي البئر المعروفة بـ"تامرزكيت" وتقدم الحديث عنها و"الجناب" الفِناء، والمقصود هنا: حضرة الشيخ سيدي والد الرجل، و"البلايا" جمع بلية من قولهم: بلوت الرجل فأبلاني أي استخبرته فأخبرني كبلوته بلى وبلاء والاسم البلوى والبلية، والبلاء يكون منحة ويكون محنة.

(17) في هذا البيت روايتان أولاهما: "فَدى كثبانَك الكثبانُ طرا"، وتكوى فدى فعل ماض فاعله الكثبان، أما الرواية الثانية فهي: "فِدى كثبانِك الكثبانُ طرا" وعلى هذا تكون فدى اسم مبتدأ خبره الكثبان، وذلك من قولهم: فداه يفديه فداء وفدا ويفتح إذا أعطى شيئاً عوضاً عنه لينقذه، والفداء ككساء وكعَلي وإلى وكفتية ذلك المعطى، والكثبان تقدم شرحها في البيت الثامن من النص، و"طرا" جميعاً وتعرب على أنها حال، والزواخر جمع زاخرة وهي البئر الكثيرة الماء و"الركايا" جمع ركية وهي البئر القليلة الماء، وتجمع أيضاً على ركى.

(18) "آهلات" جمع آهلة مؤنث مكان آهل وهو الذي يقيم به أهله، ويقال أيضاً: مأهول، وقد أهل كعني، والرزايا جمع رزية وهي المصيبة.

(19) في هذا البيت استعارة مكنية "جاد لك السماء" فالسماء هنا شبهت بالرجل الكريم وحذف الرجل وأبقيت بعض لوازمه وهي الفعل جاد وذلك على سبيل استعارة التبعية، ولعل الأصل بكل سحابة كالعين الكثيرة الماء، و"هجوم" صيغة مبالغة من هجم عليه هجوماً انتهى إليه بغتة أو دخل بغير إذن، و"الودق" المطر و"الدالحة" السحابة الكثيرة الماء يقال: سحاب دالح جمعه دلح كركع ودوالح، و"الروايا" جمع رواية وهي المزادة فيها، فكأنه يشبه تدفق الودق من السحاب بتدفق الماء من فم القرب.

(20) "الشمراخ" بالكسر أعالي السحاب، و"الأسنمة" جمع سنام كسحاب وهو الذروة، و"المهجنة" الإبل البيض الكريمة، و"القصايا" جمع قصية وهي الناقة الكريمة النجيبة المبعدة عن الاستعمال، والناقة الرذلة كذلك فهي من الأضداد، ومعنى البيت أن البرق يلوح في مزن متراكبة أشبهه ما تكون بأسنمة الإبل البيض الكرام.

(21) "تنمنم" تزخرف وتنقش، و"الراي" جمع راية وهي العلم واللواء، وتجمع على رايات كذلك. والمعنى أن هذه الأمطار تنبت أعشاباً رفيعة تكون زينة ووشياً لأسفل الأرض، وألوية وأعلاماً تزين منها الأعالي كذلك.

(22) "تشرق" تلوح و"الأزاهر" جمع جمع، مفرده زهرة وتحرك، وهي النبت ونوره، أو الأصفر منه، جمعه: زهر وأزهار. و"درار" جمع دري ومعناه المضيء، ويثلث، ومنه قوله تعالى: }كوكب دري{ و"بليل الروض" لعله من القلب المعروف في اللغة، فيكون المقصود "بالروض ليلاً" و"البرج" واحد البروج و"العذاة" الأرض الطيبة الكريمة المنبت التي ليس بها سبخة، وقيل الأرض البعيدة عن الأحساء، والسهلة المريئة التي يكون كلؤها مريئاً ناجعاً، والبعيدة عن الأنهار والبحور والسباخ، ولا تكون العذاة ذات وخامة ولا وباء. فهذه البئر المذكورة تقع في أرض بعيدة عن العمران منتبذة في أعماق البادية، مما يجعلها تزدهي بالأزهار الدرية، وبالمناخ الصحي.

(23) "فاضت" سالت من قولهم: فاض الماء يفيض فيضاً وفيوضاً بالضم والكسر وفيضوضة وفيضاناً كثر حتى سال كالوادي، و"الغروب" جمع غرب وهي الدلو العظيمة. و"أفعم الإناء" ملأه كفعمه و"المحاني" جمع محنية وهي من الوادي منعرجه، يقال: محنية الوادي ومحنوته ومحناته، و"الثنايا" جمع ثنية وهي الطريق في االجبل أو إليه. فهو يشبه تدفق الماء من السحاب بتدفق الماء من الدلو العظيمة، فهذا المطر المنهمر ملأ الأعالي والأسافل والهضاب والسهول، والوهاد والأنجاد.

(24) "التبسم" معروف وهو أقل الضحك وأحسنه، وهو ضحك رسول الله r، يقال: بسم يبسم كفرح بسما وابتسم وتبسم، و"الأكنة" جمع كن وهو وقاء كل شيء وستره ووعاؤه، والمقصود هنا الأكمام، و"كظام" أفواه واحدها كظم محركة وهي الحلق أو الفم أو مخرج النفس، و"العوارض" جمع عارضة وهي السن التي في عرض الفم، و"الثنايا" جمع ثنية وهي من الأضراس الأربع التي في مقدم الفم ثنتان من فوق وثنتان من أسفل، فكأنه يشبه خروج الأزهار من الأكمام بانكشاف رؤوس الأسنان من الثغر أثناء التبسم، فهو تشبيه تمثيلي رائع.

(25) "البراري" جمع برية وهي الصحراء، و"شمت" يشمت كفرح شماتاً وشماتة فرح ببلية العدو وهزيمته، و"الرمايا" جمع رمى كغني وهي قطع صغار من السحاب، أو سحابة عظيمة، أو القطر جمعه أرماء وأرمية ورمايا، ومعنى البيت أن تهاطل السحب على الصحاري يدفع بأزهار الرياض الواقعة فيها إلى أن تتفتق وتتبسم، وكأن في ذلك شماتة بالسحب، فبكاء السماء يدعو إلى ضحك الرياض، وهذه استمارات رائعة ومبتكرة، وإن كان هذا المعنى قديماً، وهذه الصورة الشعرية متداولة فقد استخدمها أحد الشعراء قائلاً:

وواد حكى الخنساء لا في شجونها

ولكن له عينان تبكي على صخر

كان به الحوذان بالسحب شامت

فما انتحبت إلا انثنى باسم الثغر

فجعل ابتهاج الأعشاب لحظة تساقط المطر عليها بمثابة الشماتة بالعدو، فكلما اشتد تهاطل الأمطار ازدادت النباتات تفتقاً وازدهاء.

(26) "غب" الشيء عقبه، و"العوذ" بالضم جمع عائذ وهي الحديثات النتاج من الظباء وكل أنثى، والمقصود هنا النوق، و"القصايا" تقدم شرحها جمع قصية، وهي هنا الناقة الكريمة النجيبة المبعدة عن الاستعمال، "تساجلها" تسابقها وتنافسها في كثرة اللبن، "البكايا" جمع بكية وهي الناقة القليلة اللبن، وكذلك القصية، لأن هذه الأخيرة من الأضداد كما مر، فهي تطلق على الكريمة وعلى الرذيلة. والمعنى أن هذه السحب لكثرة مائها وبركتها تزدهي منها الأرض فتدر الضروع وتكثر الألبان في الحيوانات.

(27) "القلاص" جمع قلوص وهي من الإبل الشابة، "يخدن" يسرن سيراً حثيثاً، "خوصا" جمع خوصاء وهي الناقة التي غارت عيناها من شدة التعب وطول السفر، مشتقة من الخوص محركة وهي غور العين والفعل خوص كفرح فهو أخوص وهي خوصاء. "يسمن" من وسم الشيء إذا ترك عليه علامة مميزة أو أثراً خاصاً، و"العفر" محركة ظاهر التراب، ويسكن جمعه أعفار، و"الألايا" جمع ألية وهي اليمين. والمعنى أن هذه النوق لشدة سرعتها تكاد لا تلامس الأرض بمناسمها إلا ملامسة يسيرة قدر تحلة القسم فتبقى بذلك أثراً خفيفاً.

(28) "يعوج" أي بنوق عوج من باب إقامة الصفة مقام الموصوف والعوج جمع عوجاء وهي الضامرة من الإبل، و"الخذاريف" جمع خذروف كعصفور: شيء يدوره الصبي بخيط في يديه فيسمع له دوي، وخذرفت الإبل الحصا رمته بأخفافها، و"السمر" جمع أسمر من السمرة وهي ﻣﻨﺰلة بين البياض والسواد فيما يقبل ذلك، وفعلها سمر ككرم وفرح سمرة فيهما، وأسمارٌ فهو أسمر، و"العجايا" جمع عجاية - بالضم - عصب مركب فيه فصوص من عظام كفصوص الخاتم يكون عند رسغ الدابة، جمعه عجا وعجايا، ولعل سمر العجاية كاشف عن كرم الدواب المتصفة بهذه الصفة وقوتها.

(29) "براها" أضعفها، من قولهم: برى السهم يبريه إذا نحته، و"النص" ضرب من السير وكذا "الديدى"، "فآلت" رجعت، و"قد رحلت" أي وضع عليها الرحل، و"البلايا" جمع بلية بكسر الباء وهي الناقة يموت صاحبها فتشد عند قبره حتى تموت، كانوا يقولون إنه يحشر راكباً عليها، ومن لم يفعل ذلك حشر راجلاً، وهذا مذهب من يقول بالبعث من العرب وهم الأقل ومنهم زهير بن أبي سلمى. والبيت يدل على طول المسافة وشدة التعب الذي لحق بهذه الناقة.

(30) "الكيران" جمع كور بالضم وهو الرحل أو مع أدواته جمعه أكوار وأكور وكيران، و"الولايا" جمع ولية كغنية: البرذعة - وهي اللبد - أو ما تحتها. والمعنى أن الرحل إذا وضع على هذه النوق الضامرة يكاد ينزلق عن ظهورها لولا ما تحته من لبد، وذلك لشدة ضمورها.

(31) "التنوفة" المفازة أو الأرض الواسعة البعيدة الأطراف، "تحاكي" تشابه و"المطايا" جمع مطية وهي الدابة تمطو في سيرها أي تسرع، والمعنى أن هذه الأرض مضلة لا يهتدى بها، فهي تشبه في استوائها السماء، كما أن المطايا لشدة تعبها وانحنائها واعوجاجها أصبحت تشبه الأهلة.

(32) "السفر" بالتسكين جماعة المسافرين، و"الخرج" الإتاوة كالخراج ويضمان، والمقصود بهما ضريبة معينة تحددها الدولة أو السلطة، و"الأشلاء" جمع شلو وهو العضو، و"الرذايا" جمع رذية وهي الضعيفة المثقلة من المرض. والمعنى أن هذه الصحراء لخطورتها وانقطاع السبيل بها لا يحل بساحتها مسافرون إلا نالت من أفرادهم وأوهنت من قواهم.

(33) "شعث" أي مسافرين شعث فهو من باب إقامة الصفة مقام الموصوف، وشعث جمع أشعث وهو المغبر الرأس، من شعث كفرح، و"شاحبين" جمع شاحب اسم فاعل من شحب لونه كجمع ونصر وكرم وعني، شحوباً وشحوبة تغير من هزال أو جوع أو سفر، "البيد" جمع بيداء وهي الصحراء الفلاة، و"الحنايا" جمع حنية كغنية القوس جمعها حنى وحنايا، وقد شبه النوق في هذا البيت تشبيهاً رائعاً فقال: عن أشباه الحنايا، والمعنى أن هؤلاء المسافرين تعبوا وتعبت النوق التي تحملهم إلى الممدوح وهذا أبلغ في الاسترضاء والاستعطاف والاستمداد.

(34) "أهليك" جمع أهل، وأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه، جمعه أهلون وأهال وآهال، والانتجاع طلب الرعي و"الندى" الكرم.

(35) "يشكون" يزيلون شكايتهم، وأشكى فلاناً من فلان أخذ له منه ما يرضيه، وأشكى فلاناً أزال شكايته، و"الألى" اسم موصول بمعنى الذين، والمقصود أن إمام هذه الحضرة المباركة يدفع الظلم ويزيل شكاية من رفع إليه الشكوى، ويتحف من أمه راغباً في المال بالهبات الكثيرات.

(36) "حط الرحال" كناية عن النّزول والإقامة، فالنّزول بهذه الحضرة يدفع الفقر ويرفع الذنب بفعل الإكثار من الطاعة والإقبال على الله واستماع الذكر واكتساب العلم، ومجالسة الصالحين.

(37) "آبوا": رجعوا، و"أملوا" بالتخفيف بمعنى أملوا، و"الزفر" هو البحر، و"الروايا" جمع راوية وهي المزادة العظيمة، فهو هنا يشبه صدور الناس عن هذه الحضرة بصدور الناس من البحر.

(38) "الأخايا" جمع أخية كأبية: عود في حائط أو في حبل يدفن طرفاه في الأرض ويبرز طرفه كالحلقة تشد بها الدابة، ويجمع أيضاً على أواخي، والمعنى أن من نزل بهذه الحضرة الصوفية الكريمة اشتد تعلقه بها، لكثرة ما ينال بها من الخير والإحسان، فيصبح مشدوداً إليها رغماً عن إرادته، فلا يستطيع عنها انصرافاً، ولا يبغي بها بدلاً، فكأنما شد إليها بحبال النعمة والإكرام، فكلما هم بالانصراف عنها غلب على أمره.

(39) البيت يحيل على كثرة الطلاب وتنوع المقررات القرآنية والفقهية بساحة هذه الحضرة، وعلى وجه الخصوص فإن المقررات الفقهية بكنفها تغطي مختلف الأبواب المعروفة في المدونات الفقهية والتي تبدأ غالباً بباب الطهارة وتنتهي بباب الوصية.

(40) "التمرين" المقصود بالتمرين: التدريبات على معرفة الإعراب، وهي مسألة معروفة عند الشناقطة ويسمونها محلياً بـ"الزرك" ومعناه امتحان الطالب بإعراب مجموعة من الأبيات المشكلة، أو بعض الشواهد النحوية المتمنعة، والمقصود بالمعاني والقضايا مسائل علم المنطق الصعبة.

(41) "الوقايا" جمع أُوقية - بالضم - والأوقية سبعة مثاقيل كالوقية تجمع على أواقي وأواق ووقايا.

(42) "الأنجع" الأنفع، و"النمير" العذب الصافي من الماء، وفي القاموس: النمير كأمير الزاكي من الماء، والرعايا جمع رعية وهي الماشية الراعية والمرعية.

(43) "الألايا" جمع ألية: وهي العجيرة، أو ما ركب العجز من شحم ولحم، جمع أليات وألايا، ولا تقل: إلية، ولا لِية، وقد ألي كسمع، وكبش أليان ويحرك ونعجة أليانة وأليا وكذا الرجل والمرأة من رجال أُلْي ونساء أُلْي. وفي البيت مقابلة تفاضلية بين الأنف والألايا والمفرد والجمع، والمقصود المفاضلة بين العزة والهوان، والإباء والضعة.

(44) "يصفلن": يبغضن، والصلف محركة: أن لا تحظى المرأة عند زوجها، وهي صلفة من صلفات، و"الحظايا" جمع حظية كغنية وهي ذات المكان والحظ والتقدير عند الناس.

(45) "خزايا" مفردها خزيا، والمقصود تفوقها على البلاد، فكل الأماكن تغض عنها الطرف احتراماً لها وتقديراً لمكانتها.

(46) "مذعنات" اسم فاعل مؤنث من أذعن له إذا خضع وذل، و"سخايا" جمع سخية وهي الباذلة ما في وسعها. والمقصود هنا تفوق هذه البئر في الفضل والبركة والمناخ وتبعية الأماكن الأخرى لها.

(47) "الأخصاص" جمع خص بالضم وهو البيت من القصب، أو البيت يسقف بأخشاب ويجمع أيضاً على خصاص وخصوص، و"الخلايا": جمع خلية وهي السفينة العظيمة، ولعل المقصود بهذا البيت التنبيه إلى بعد هذه البئر عن العمارة وصخب المدينة لأنها كما تقدم تقع في "عذاة" وهي الأرض اليبة البعيدة عن البحار والأنهار والسباخ، والمتصفة بطيب المناخ.

(48) "الحوايا" جمع حوية: وهي ما تَحَوَّى من الأمعاء كالحاوية والحاوياء. والمقصود بها هنا الأمعاء.

(49) "خبايا" جمع خبية وهي ماخبئ وغاب، والمقصود بها هنا: الخزائن.

(50) "أم الأرض": مكة المكرمة و"الهدايا" جمع هدي - كغني - وهو ما أهدي إلى مكة كالهدي.

(51) "مضاه": مشابه من ضاهاه: شابهه. و"المزايا" جمع مزية كغنية وهي الفضيلة.

(52) "الجدث" محركة: القبر جمعه أجدث وأجداث، "البرايا" جمع برية وهي الخلق، يقال: محمد خير البرية أو خير البشر.



هناك تعليق واحد: