الأحد، 17 أكتوبر 2010

مسألة الدفاف في الأعراس

مسألة الدفاف في الأعراس
وعوائد أهلها في البلاد الشنقيطية

تأليف :
الشيخ سيدي باب بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير
رحم الله السلف وبارك في الخلف

تحقيق وطبع ونشر :
إسحاق ولد موسى ولد الشيخ سيدي


ترجمة المؤلف
هو الشيخ سيدي بابه بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير
عالم من أعلام شنقيط وأحد أبرز الفقهاء الذين تعرضوا لمسألة سيطرة المخالف في الدين وحكمه للمسلمين كما اشتهر بدعوته للاجتهاد ونبذه للتقليد ورؤيته الإصلاحية , بمنطقة آمشتيل بولاية اترارزة ولد الشيخ سيدي بابه سنة 1277هـ ونشأ في كنف جده وأبيه المعروفين بمكانتهما الاجتماعية والروحية والعلمية . حفظ القرآن الكريم في سنة مبكرة واشتغل بالدراسة والتحصيل وتميز بالذكاء وقوة الحافظة .
أسس مدرسة علمية عريقة تخرج منها الكثير من العلماء وحارب التقليد ودعا إلى الاجتهاد فألف كتابه المشهور ( إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين) ، ورفض المنطق اليوناني وعلم الكلام وحذر من التأويل والتمثيل كما دعا الشيخ سيدي بابه إلى العمل ونبذ الإتكالية التي تميز بها مجتمع شنقيط وحارب الفقر وحفر الآبار وعمم التعليم واهتم برعاية المواشي وتربيتها ، وهذه جوانب إصلاحية تعكس خصوبة فكر الشيخ سيدي بابه وعمق رؤيته الإسلامية الاجتماعية .
وهو أهم فقيه شنقيطي طرح نظرية إصلاحية شاملة هدفها المصلحة العامة ، فقد تميز عصره بالتدخل الفرنسي في موريتانيا وخاصة في فترة الوالي الفرنسي الشهير إكزافي كبولاني(1864 ـ 1905م) , وذروة ضعف الإمارات الحسانية وتراجع القوى المحلية أمام الغزو الاستعماري
فخالف العلماء والفقهاء وقاد تيارا قويا رأى أن تغلب النصارى يساعد في إصلاح أوضاع مجتمع شنقيط الذي اتسم بالفوضى وشيوع السلب والنهب وغياب سلطة سياسية مركزية .
واعتبر أن هذا هو الخيار الأوحد والتكتيكي في ظروف المجتمع الشنقيطي وخصائصه الاجتماعية السياسية والاقتصادية .
انطلق الشيخ سيدي بابه من تشخيص دقيق للأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
في المجتمع الموريتاني والتدني الفظيع في كل المستويات وحاجة المجتمع لتجربة الاستعمار حتى يستطيع الخروج من حالة السيبة والفراغ السياسي والحضاري ، فأيد دخول المستعمر وخلص إلى أهمية الإدارة الاستعمارية وما تحمله من مصالح ومنافع حتى ولو تحققت بسيطرة المخالف في الدين والمتغلب بالشوكة .
وأكد أهمية سيطرة المخالف في الدين وأن الدخول في طاعته أولى ، لأن المدار على المصلحة فما كان أصلح فهو المطلوب شرعا واعتبر هذا خيارا تكتيكيا وساق له حججا ومسوغات شرعية وتبرز رسائله السياسية والاجتماعية جانبا من ذلك المشغل الفكري الذي اهتم به .
كان الشيخ سيدي بابه رجل سياسة بارز أوتي الحكمة وفصل الخطاب ، انعقد له الاجتماع
في بلاد شنقيط , ويشبه مشروعه الفكري الإصلاحي مشروع الشيخ الإمام محمد عبده
من حيث الواقعية السياسية والنظرة المتأنية المتفهمة .
ذاعت شهرة الشيخ سيدي بابه واشتهرت مدرسته وتميزت بجودة مستوى التعليم وكثرة الطلاب وتعكس مؤلفات الشيخ سيدي بابه سعة علمه وغزارة معارفه وشموليتها , حيث ألف في العقيدة والأصول والفقه والتاريخ والتراجم إضافة إلى عدد كبير من الرسائل والفتاوى
ومن هذه الملفات :
ـ شرح عقيدة أبي الحسن الأشعري
ـ شرح عقيدة السلف ، ورسالة في التوحيد ، تفسير آيات المعية
ـ إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين
ـ رسالة في الحديث الموقوف ، رسالة في الفرق بين القرآن والحديث والقدسي والرباني
والنبوي .
ـ رسالة في عدم جواز العادات السائدة في الأعراس بهذه البلاد ، أجوبة تتعلق بأحكام الرضاعة
.رسالة في نبوية أحاديث تسوية الصفوف
ـ رسالة في حكم وصل المرأة شعرها ، في أهل الصفة ، رسالة في جواز دفع القيمة
في الزكاة ، فتوى في الصلاة وما يقال فيها ، فتوى في ما يقال في الصباح والمساء
أدعية الأكل والشرب ، كتاب القبض والرفع في الصلاة ، رسالة في حرف الضاد
ـ إمارتي إدوعيش ومشظوف
. فتاوى كثيرة ورسائل وديوان شعر متعدد الأغراض .
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
هذه فتوى والدنا الشيخ سيدي بابه بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير رحمهم الله تعالى ونفعنا ببركتهم وعلومهم ــ ءامين ــ
في مسألة : (( الدفاف في الأعراس وعوائد أهلها في البلاد الشنقيطية .))
قال رحمه الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد خير الأنيم , وعلى آله وصحبه وسائر من سلك سبيله القويم .
أما بعد فالذي يظهر لي ــ والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ــ
أن ضرب الدفاف في الأعراس ونحوها على الهيئة المألوفة في بلادنا وزماننا المؤدية إلى اختلاط الرجال والنساء أحرارا وعبيدا وأن ما يؤخذ من المتزوج والمتزوجة وأقاربهما في هذه البلاد أيضا مما يسمى عوائدَ ونحوَه للاعبين عند الدف وغيرهم , عوائدُ مستقبحة شرعا مستهجنة طبعا مترددة بين المنع والكراهة في الأولى , محرمة فيما بعدها , فينبغي عندي للمعتنين بدينهم بل أو دنياهم من الزوايا خصوصا عشيرتنا أولاد أبيير ومن في حكمهم أن يتوبوا إلى الله تعالى منها.
وشروط التوبة الندم على ما فات , والنية أن لا يعود , وأن يسدوا عنهم أبواب هذه المفاسد الدينية والدنيوية فيقتصروا منها على ما أذن فيه الشرع أصالة وأُمن معه من الوقوع في الفتنة مئالا .
وهو أن يُضرب الدف ضربات قليلة ويُحل , يباشرها رجل ديِّن أو امرأة ديِّنة ولا يلعب عنده لعب مباح فضلا عن غير اللعب المباح , مثل أن يلعب به نساء وحدهن , أو رجال وحدهم على ما شهره ابن رشد لعبا خفيفا لأنه يؤدي إلى المحذور المحظور فضلا عن غير اللعب المباح , وأن يولموا على عادتهم من تقديمها على البناء إن شاءوا . فقد قيل إن الأفضل أن تكون قبله.
وكلام مالك الآتي يحتمل أن يكون قاله لمن فاته قبل البناء لأنها لإشهار النكاح , وإشهارُه قبل البناء أفضل كما في البناني وغيره .
وقال اللخمي : واسع قبله وبعده . ونحوُه في العُتبية أو بعده . وهو المشهور, وهو قول مالك : أرى أن يُولِم بعد البناء , وبه يحصل ندبان , وأن تكون من عند الزوج إن لم يجْر عُرف بكونها من عند أهل الزوجة ــ كما هو الواقع في هذه البلاد ــ وإلا فلا بأس أن تكون من عندهم وأن يتجنب فيها السرف .
ففي التوضيح أن المباح منها ما جرت به العادة غير سرف ولا سمعة .هـ
وفي المقدمات أن ما يقصد به الفخر والمحمدة مكروه .هـ
ونقل عياض الإجماع على أنه لاحد لأقلها وأنه بأي شيء أوْلَم حصلت السنة .
وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أَوْلَم على بعض نسائه بمُدَّين من شعير وعلى بعض بالخبز والتمر .
وفيه أيضا أنه أوْلَم على زينب بشاة كما في عبد الباقي .
أما ما ذُكر في حكم الدفاف على الهيئة المألوفة ببلادنا فمما يدل له ما في أواخر السفر الأول من المعيار , ونصه : وسئل محمد بن عبد الله عن هؤلاء السودان والسودانات الذين يجتمعون للعب في الأعراس , هل ذالك من المناكر التي تُرفع وتُغَيَّر في الأعراس أم لا؟ فأجاب : قرأت ــ وفقك الله وسددك وأعانك على ما قلدك ــ سؤالك , وفهمت ما ذكرته فيه من خبر السودان والسودانات في الأعراس , فينبغي أن يمنع من ذالك ويزجر عنه , ومن قام معتنيا بهم وذابا عنهم تعاقبه على قدر اجتهادك , والدفاف التي يلعبون بها تنظر في أمرها على ما توجبه السنة وتبقي منهم أشبههم على قدر الحاجة إليهم إن كانت الحاجة توجبها السنة والحق , والله الموفق . قاله محمد بن عبد الله هـ .
ومما يدل له أيضا ما في شرحي الشمائل لجسوس والمناوي عند حديث الترجيع المخرج أيضا في الصحاح .
ولفظ الشمائل مع يسير تقرير من شرح جسوس : حدثنا محمد بن غيلان أنبأنا أبو داوود أنبأنا شعبة عن معاوية بن قرة قال : سمعت عبد الله بن مغفل يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح وهو يقرأ: (( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر.)) فقال : أي معاوية لولا أن يجتمع الناس علي لأخذت لكم في ذلك الصوت أو قال اللحن .هـ
قال العلامة جسوس : وانظر قول معاوية : لولا أن ....إلخ , مع ما هو معلوم من أن تعليم العلم ونشرَه مطلوب لا سيما إن اجتمع الناس لذلك , اللهم إلا إن كان يخشى بالاجتماع فتنة أو معصية كاختلاط رجال بنساء أو إخلال بمروءة أو نحو ذلك من المفاسد لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح , كما أشار إلى ذلك ابن حجر وغيره .هـ
وقال المناوي أيضا عقب قول معاوية المذكور, وفيه أن ارتكاب أمر يوجب اجتماع الناس مكروه أي : إن أدى الاجتماع إلى فتنة أو إثم كاختلاط رجال بنساء أو إخلال بمروءة .هـ
فانظر إلى قوله : مكروه , هل مراده الكراهة اللغوية فيمكن حمله على التحريم الذي هو ظاهر كلام جسوس أو الاصطلاحية المقابلة للندب فيخالفه إلا أن يحمل عليه كلام جسوس ؟ ولا يبعد عندي أنهما مختلفان وأن كلا منهما نحا إلى مذهبه .
فمذهب المالكية , ومنهم جسوس : وجوب سد ذرائع الحرام . فإن قوله :درء المفاسد يؤْنَس منه ذلك مع ضميمةِ أن الذريعة ذريعة حرام , وهو الاختلاط المذكور.
ومذهب غيرهم عدم اعتبار الذرائع , وحينئذ يحمل كلام المناوي على الكراهة التنزيهية أو العرفية لا على التحريم , فإن الكراهة اللغوية متسعة لكراهة التنزيه والتحريم . والله تعالى أعلم .
فإذا اتقى معاوية تلاوة القرآن بالترتيل إذ به يفسر الترجيع , التي هي أعظمُ القُرَب إلى الله تعالى مع ضميمة التعليم الذي هو أيضا من أعظمها خوفَ اجتماع الناس , وكان اتقاؤه لها لأنها حينئذ ممنوعة منعا لا يقصر به دون الكراهة فما ظنك بالدف الذي لا يقصد به غالبا في هذا الزمن إلا الشر , لا السنة التي هي إعلان النكاح .
مع أنه لو قصِد به ذلك ولم يخش من فتنة تطرأ لكان مكروها على ظاهر ما لمالك في المدونة .
قال فيها : أكره الدفاف والمعازف في العرس وغيره .هـ
وقصارى ما لمخالفيه الجوازُ المستوِي الطرفين .
قال الشيخ خليل : وفي جواز الكَبَر والمِزْهَر ومنعهما أي كراهتهما كما في الشيخ سالم .
ثالثها : يجوز في الكَبَر. ابن كنانة : وتجوز الزمارة والبوق .هـ
ومما يدل له أيضا ما في تبصرة ابن فرحون وهو :
" فصل في القضاء بسد الذرائع " , والذريعة : الوسيلة إلى الشيء , ومعنى ذالك حسم مادة وسائل الفساد , فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة إلى المفسدة منعنا من ذلك الفعل , وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى . والقول بسدها مأخوذ من الكتاب والسنة .
أما الكتاب فقوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) فمتى خاف المسلم إذا سب دين الكفر يؤدي إلى سب الله أو رسوله أو الإسلام أو أهله لم يجز له أن سب دينهم ولا صلبانهم , ولا يتعرض إلى ما يدعو إلى ذلك , قاله ابن العربي في أحكام القرآن .
وقال ابن رشد في المقدمات : أبواب الذرائع في الكتاب والسنة يطول ذكرها ولا يمكن حصرها , من ذالك قوله عليه الصلاة والسلام : ( دع
ما يريبك إلى ما لا يريبك . ) , وقوله عليه الصلاة والسلام : ( الحلال بين والحرام بين , وبينهما مشتبهات , فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه , ومن وقع في الشبهات كان كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه , ألا وإن لكل ملك حمى , ألا وإن حمى الله محارمه . )
مسألة : قال القرافي : الذريعة بإجماع الأمة على ثلاثة أقسام :
ـ القسم الأول : معتبر إجماعا كحفر الآبار في طرق المسلمين وإلقاء السم في أطعمتهم وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى حينئذ.
ـ القسم الثاني : ملغى إجماعا كزراعة العنب فإنه لا يمنع من ذلك خشية الخمر , والشركة في سكنى الدار خشية الزنى .
ـ القسم الثالث : مختلف فيه كبيوع الآجال . اعتبر المالكية الذريعة فيها وخالفهم غيرهم في ذلك .هـ
قلت : ولا ريب أن الدفاف في هذه البلاد ذريعة قوية إلى اجتماع أهل الفساد غالبا أو لازما , فليست كزراعة العنب والشركة في سكنى الدور لأن الغالب في هاتين السلامة مما يخشى , ولبعد ذلك الاحتمال فيهما , ولأنهما من مصالح الناس العامة التي لا يتم معاشهم إلا بها , فتعين أن تكون من أحد القسمين الآخرين , إن لم يصبها وابل فطلٌّ .
ثم ذكر ابن فرحون بعد كلامه المذكور فروعا نص فيها على المنع هي عندي بالدفاف في هذه البلاد على الهيئة المألوفة أشبه . ولفظها :
" فرع : قال ابن رشد : ينبغي للحاكم إذا خاف من المتبايعين الوقوع في المحرم أن يمنعهم منه .
" فرع : ومن ذلك السفر بالمصحف إلى أرض العدو خشية تملكه ووقوعه بأيديهم , فلا يجوز حمله إلى بلادهم .
" فرع : وكذلك لا يجوز بيع آلة الحرب من الكراع والسلاح والسروج والترس ونحو ذلك مما يتقى به , للحربيين لما يتقى من تقويتهم بذلك على المسلمين .
" فرع : وكذلك لا يشترى من الحربيين بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله تعالى لنجاستهم كانوا أهل حرب أو عهد .
" فرع : ومن زواج المسلم النصرانيةَ في دار الحرب لما يخشى على الذرية من التنصر.
" فرع : وكذلك لا يجوز بيع الخشبة لمن يعمل منها صليبا , ولا يجوز بيع الدار ممن يعملها كنيسة ولا كراؤها لذلك , ولا لمن يتخذها مجمعا للمكر والفساد , ولا كراء الحانوت لمن يبيع فيه خمرا .
ولا يجوز بيع العنب لمن يعصره خمرا , من المذهب لابن رشد وغيره .هـ
وفي عبد الباقي في عدِّه شروط وجوب الإجابة إلى الوليمة ما لفظه :
" قال بعض الشافعية : وألا يكون بسطح الدار ولا فوقها نساء ينظرن للرجال أو يختلطن بهم . هـ
أما الاختلاط فيوافق مذهبنا . وأما علو من بسطح الدار فمبني على مذهب الشافعية من حرمة نظر المرأة للرجال .هـ وسلَّمه البنَّاني .
هذا ولو فرضنا سلامة بعض الدفاف المذكورة عن هذا المحذور فلا أظن أن ذلك يجدي في إباحتها إذ هي لا تنحط درجتها عن أن تكون مظنة له والمُعَلَّل بالمظانِّ لا يتخلف الحكم بتخلفه .
وأما ما يؤخذ من المتزوج فقد سئل سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي ــ كما في نوازله ــ عن العادة بين تيشيت وتجكجة فيما يؤخذ من المتزوج هل يحِل أخذه وأكله أم لا لعدم طيب النفس به بل إنما يؤخذ كرها أو بسيف الحياء الذي هو كسيف الجور , وكثيرا ما يدفعه من لا يقبضه من غير من دفعه إليه ؟ . هذا بكيفيته , هو لفظ النوازل المذكورة .
فأجاب بأنها عادة تقبحها المروءة ويحرمها الشرع المطهر لقوله تعالى :
(( ولا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل )) الآية . وهذا من أعظم الباطل لما ذكر في السؤال , مع ما ينظر من ذلك من دخول البيوت من غير إذن .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل مال امرئ مسلم " الحديث .
وقوله : " لا ضرر ولا ضرار " أي لا يجوز ذلك في ديننا , وهذا من الضرر الضروري , لأن الأصل في أموالنا التحريم , كما نص عليه في جمع الجوامع لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام " الحديث .
فلا يُقْدَم على مال الغير إلا بدليل شرعي , وهذه الأدلة دالة على تحريمها ,كيف السبيل إلى حمام منجاب ؟ ولا يقال : هذه عادة جرت من دهور كثيرة , والعادة محكمة , لأنا نقول : محل اعتبار العادة كما تقرر في الأصول إذا لم يصادمها دليل , مع أن عادة سائر البلدان من غرب وشرق على خلاف ذلك , والحكم للأكثر .
وكذالك ما اعتاده طلبة العلم في هذه البلاد حكمُه حكم العادة الأولى , وأدلتُه أدلتُها إلا إذا صنع أهل العرس الطعام عن طيب نفس , ودعوا إليه , كما هو سنة الوليمة أو أرسلوا إليهم , والله تعالى أعلم .
وفي نوازل سيدي عبد الله ــ رحمه الله ــ أيضا في موضع آخر , ما لفظه : وأجاب بأن ما يأخذه الطلبة ــ وهم المقول لهم التلامذة ــ ممن تزوج أو وُلد له مولود بأنه حرام لا يحل أكله إذا كان أعطي لهم حياءً , إذ يحرم كل ما تصدّق به عن حياء , وأحرى إذا كان عن قهر , كما هو مشاهَد كثيرا , فإن كان عن طيب نفس حَل , إذ لا يحِل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس ــ كما في الحديث ــ .
وأما ما يعطاه اللاعبون عند الدف , ففي أجوبة العلامة محمد سيدي عبد القادر بن علي بن يوسف الفاسي ما نصه :
" وأما ما يُعطِي الإنسانُ لأهل الملاهي والمزامر في الأعراس , ويعطيه لزوجته تدفعه أيضا لمن ذكر , فإن كان ذلك ثمنا للغناء جرى على حكم الإجارة عليه , وقد نقل القرطبي في تفسير سورة لقمان على قوله تعالى : (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث )) أنه الغناء , وقد ادعى أبو عمر ابن عبد البر الإجماع على تحريم الإجارة على ذلك .
وظاهر الإطلاق في المختصر كراهية كراء الدف والمعزف للعرس , وهو مذهب المدونة .
عياض : وإن كان ضرب الدف مباحا في العرس فليست الإجارة مثله إذ ليس كل مباح تجوز الإجارة عليه .
وقال ابن يونس : وأما الدف الذي أبيح ضربه في العرس فينبغي أن تجوز إجارته .
وأفتى الفقيه راشد الوليد بجواز الإجارة على ما أبيح منه كالولائم والأفراح , ونقل في سنن المهتدين عن عكرمة قال : لما ختن ابن عباس رضي الله تعالى عنه بنيه أرسلني فدعوت اللعابين فلعبوا فأعطاهم ابن عباس أربعة دراهم .
وأما الإشادة بما يُعطَى والإعلان به بأصوات مرتفعة أن فلانة هي التي أعطت ذلك حتى يعلم جميعُ من في المحفل بذلك فمن التسميع وقصد المراءاة .
وفي الحديث :" من سمَّع سمَّع اللهُ به , ومن يُراءِ يُراء اللهُ به " .
فإن كان المعطِي يأمر بذلك أو يعجبه فهو ممن يقصد السمعة والرياء بعمله , إلا أن هذا العمل ليس بعبادة , والرياء بغير العبادة هل هو محرم ؟
أما الذي في الإحياء أن انصراف الهمم إلى طلب الجاه نقصان في الدين , ولا يومن بالتحريم .
فعلى هذا نقول : تحسين الثوب الذي يلبسه الإنسان عند الخروج إلى الناس مراءاة , وليس بحرام لأنه ليس رياء بالعبادة , بل بالدنيا , وقس على هذا كل تجمل للناس وتزيُّن لهم .
ثم قال : فإذن المراءاة بما ليس من العبادة قد تكون مذمومة , وقد تكون مباحة , وذلك على حسب الغرض المطلوب به , ولذلك نقول إن الرجل إذا أنفق ماله على جماعة من الأغنياء لا في معرض العبادة والصدقة , وذلك ليعتقد الناس أنه غني فهذه مراءاة ليست بحرام .
وكذلك أمثاله , إلا أنه نظَّر فيه شيخنا الإمام العارف بالله تعالى أبو محمد عبد الرحمن بن محمد قدس الله تعالى سره في حديث مسلم , في حديث : من قاتل للرياء والسمعة , وذكر الحديث إلى أن قال فيه :" رجل وسع الله تعالى عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه الله تعالى نعمه فعرفها , قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك . قال : كذبت , ولكنك فعلت ليقال : هذا جواد فقد قيل , ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار."
وقد علم أيضا أن المباهاة حرام وأن ما قُصد به المباهاةُ من الولائم لا يجوز
وفي الشمائل في باب الوليمة : والمباح منها المعتاد لا سرفٌ ومباهاةٌ .
وانظر قول صاحب المختصر : وإن بُوهِيَ به حَرُمَ .هـ
ونحوُه في البناني عند قول الشيخ خليل في الوليمة : إن لم يحضر من يتأذى به , ثم قال عبد القادر بعد هذا الكلام المذكور بيسير , ما لفظه :
" وفي أحكام ابن العربي في سورة لقمان لما تكلم على جواز الدف في النكاح , قال :ولكن لا يجوز انكشاف النساء ولا هتك الأستار ولا سماع الرفث , فإذا خرج ذلك إلى ما لا يجوز مُنع من أوله واجتث من أصله .هـ
وهذا حال ولائم الوقت فإن الغالب عليها أوكلها مناكر ومحرمات , فينبغي التيقظ لذلك والتبصر ولا يعتمد على عموم الكليات ويغفل عن غوائل النوازل الجزئيات فيذهب دينه ويهلك مع الهالكين , هذا مع فساد المقاصد والنيات لقصدهم المباهاة والتفاخر .
وقال ابن العربي : كان عليه الصلاة والسلام يجيب كل مسلم , فلما فسدت مكاسب الناس والنيات كره العلماء لذي المنصب أن يسرع للإجابة إلا على شروط .هـ
قلت : وانظر قول ابن العربي هذا : فإذا خرج ذلك إلى ما لا يجوز منع من أوله واجتث من أصله , ما أوضحه دليلا على ما تقدم في وجوب سد ذريعة الدفاف في هذه البلاد .
جمعه الفقير إلى الله تعالى سيديَّ بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي كان الله تعالى لهم , لثلاث عشرة خلت من شوال عام تسعة وتسعين ومائتين وألف هـ : 1299هـ .
ولْيُصحح قولُ التبصرة المنقول في هذا الكتاب وهو : فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة ,إلى ما هو مذهب مالك على نسخة صحيحة فإنه مكتوب هنا على الظن لسقوط في النسخة التي بأيدينا .
وكذا آخر السؤال الذي أجاب عنه سيّدي عبد الله من : وكثيرا ما... إلخ .

هناك 3 تعليقات:

  1. محمد بن عبد الله بن محمد سيديا17 يونيو 2012 في 7:07 ص

    ولدي كتاب "أجوبة تتعلق بأحكام الرضاعة" للشيخ سيدي باب

    ردحذف
  2. محمد بن عبد الله بن محمد سيديا17 يونيو 2012 في 8:41 ص

    وها هو ذا:
    أجوبة تتعلق بأحكام الرضاعة
    على هذا الرابط: http://www.4shared.com/account/dir/p31Bzx81/_online.html?&rnd=74

    ردحذف