الخميس، 19 يناير 2012

النكاح الباطل ومسألة إلحاق الولد


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله أحمده وأستعينه
وأستهديه وأستغفره, وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من
يهده الله فهو المهتد, ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا
شريك له, وأشهد أن محمدا رسول الله أرسله ربه للعالمين بالحق بشيرا
ونذيرا, وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا, فاللهم صل وبارك وسلم عليه
تسليما كثيرا.
أما بعد فهذه فتوى تتعلق بأحكام
النكاح الباطل , وما يترتب عليه من مسألة إلحاق الولد.

قال ابن القيّم ـــ رحمه الله
ــــــ في أعلام الموقعين:
(فصل) : وكان السّلف من الصّحابة والتّابعين يكرهون
الشّروع في الفتوى ويود أحدهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنّها قد تعينت عليه
بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسّنة وأقوال الخلفاء الرّاشدين، ثمّ
أفتى، وقال عبد الله بن المبارك عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين
ومائة من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أراه قال في المسجد فما كان
منهم أحد يحدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلاّ ود أن أخاه قد كفاه
الفتيا.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما أن كل من أفتى النّاس
في كل ما يسألون عنه لمجنون, وقال سحنون بن سعيد أجسر النّاس على الفتيا أقلهم
علماً اهـ.
وقال في كتاب آداب الفتيا: اعلم
أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل، لكنه معرض للخطإ والخطر، ولهذا
قالوا: المفتي مُوَقِّع عن الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبضُ العلمَ بقبض العلماء،
حتى إذا لم يُبقِ عالما، اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم،
فضلوا وأضلوا " ، رواه الشيخان. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: "عسى رجل
أن يقول: إن الله أمر بكذا، أو نهى عن كذا، فيقول الله له: كذبت"، رواه
الطبراني.
وعن الشافعي رحمه الله, وقد سئل
عن مسألة فسكت ولم يجب، فقيل له: ألا تجيب؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي، أو في
الجواب. وعن مالك رحمه الله، أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة، فلا يجيب في واحدة
منها؛ وكان يقول: من أجاب في مسألة، فينبغي قبل الجواب، أن يعرض نفسه على الجنة
والنار، وكيف خلاصه، ثم يجيب. وعن أبي حنيفة رحمه الله، أنه سئل عن سبع مسائل،
فقال فيها: لا أدري. وعن الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يكثر أن يقول: لا
أدري، وذلك لما عرف من الأقاويل.
وَفِي أَثَرٍ مَرْفُوعٍ ذَكَرَهُ
أَبُو الْفَرَجِ وَغَيْرُهُ: «مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَعَنَتْهُ
مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ» .
وَسُئِلَ مالك عَنْ مَسْأَلَةٍ
فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا مَسْأَلَةٌ خَفِيفَةٌ سَهْلَةٌ،
فَغَضِبَ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْعِلْمِ شَيْءٌ خَفِيفٌ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} , فَالْعِلْمُ
كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَخَاصَّةً مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, قَالَ:
وَإِذَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
تَصْعُبُ عَلَيْهِمْ الْمَسَائِلُ، وَلَا يُجِيبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ
حَتَّى يَأْخُذَ رَأْيَ صَاحِبِهِ مَعَ مَا رُزِقُوا مِنْ السَّدَادِ
وَالتَّوْفِيقِ وَالطَّهَارَةِ، فَكَيْفَ بِنَا الَّذِينَ غَطَّتْ الذُّنُوبُ
وَالْخَطَايَا قُلُوبَنَا؟ وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا سُئِلَ عَنْ
مَسْأَلَةٍ فَكَأَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَسُئِلَ
الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا
تَسْتَحْيِي مِنْ قَوْلِكَ لَا أَدْرِي
وَأَنْتَ فَقِيهُ أَهْلِ الْعِرَاقِ؟ فَقَالَ: لَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ
تَسْتَحِي حِينَ قَالُوا: {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} . وَقَالَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: تَعَلَّمْ لَا أَدْرِي فَإِنَّكَ إنْ قُلْتَ لَا أَدْرِي
عَلَّمُوكَ حَتَّى تَدْرِيَ، وَإِنْ قُلْتَ: أَدْرِي سَأَلُوكَ حَتَّى لَا
تَدْرِيَ. وَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ أَرْبَعَةً
وَثَلَاثِينَ شَهْرًا، فَكَانَ كَثِيرًا مَا يُسْأَلُ فَيَقُول: لَا أَدْرِي.
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ
لَا يَكَادُ يُفْتِي فُتْيَا وَلَا يَقُولُ شَيْئًا إلَّا قَالَ: اللَّهُمَّ
سَلِّمْنِي وَسَلِّمْ مِنِّي, وَسُئِلَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شَيْءٍ،
فَقَالَ: إنِّي لَا أُحْسِنُهُ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: إنِّي جِئْتُكَ لَا
أَعْرِفُ غَيْرَكَ، فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ: لَا تَنْظُرُ إلَى طُولِ لِحْيَتِي
وَكَثْرَةِ النَّاسِ حَوْلِي، وَاَللَّهِ مَا أُحْسِنُهُ، فَقَالَ شَيْخٌ مِنْ
قُرَيْشٍ جَالِسٌ إلَى جَنْبِهِ: يَا ابْنَ أَخِي الْزَمْهَا، فَوَاَللَّهِ مَا
رَأَيْنَاكَ فِي مَجْلِسٍ أَنْبَلَ مِنْكَ الْيَوْمَ، فَقَالَ الْقَاسِمُ: وَاَللَّهِ
لَأَنْ يُقْطَعَ لِسَانِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّم بِمَا لَا عِلْمَ
لِي بِهِ.....انتهى.
وعليه فليس من شأن المفتى أن
يحقق الوقائع ويطلب الدليل على صحتها، وإنما ذلك من شأن القضاء، ولكن من حق المفتى
أن يطمئن ويرتاح إلى سلامة الحادثة التي يتحدث عن حكم الله تعالى فيها, ولذلك نكتفي
ببيان الشروط المعتبرة شرعا لصحة النكاح ,وخاصة منها شرط الإشهاد, ثم ببيان أنه بفقد أحد
هذه الشروط يعتبر النكاح فاسدا, وما هو النكاح الفاسد؟ وما هي
الآثار المترتبة عليه؟, ثم نبين حكم طلاق المكره في ذاته بقطع النظر عن النازلة
المعروضة, وهل تحقق فيها إكراه أولا، على أن الإكراه في حقيقته الشرعية لابد أن
يكون بأمر يلجئ المكره ويحمله حملا على فعل ما أكره عليه وإتيانه لخوفه من إيقاع
ما هدد به وعدم احتماله إياه، سواء كان ذلك في النفس أو في المال أو في غير ذلك
مما يوقع به ضررا ماديا أو أدبيا لا يحتمله على خلاف بين الفقهاء.
إن الإسلام احترم
إرادة الإنسان ، وبالتالي حاسبه على إرادته واختياره ، فمتى ارتبط بأي امرأة فإنه
سوف يلحقه ما ولدته منه سواء أراد ذلك أم أبى أعلن عن هذا الزواج أم لم يعلن ، وثقه
في المحاكم أو السجلات الخاصة أم لم يوثقه ، ولكنه لم ينس أن يضع الحدود والقيود لضمان
حق الزوجين, لتسير الحياة كما أرادها صانع
الحياة سبحانه وتعالى، ولم ينس أن يوجه كلا الطرفين إلى الاختيار السليم لبناء
أسرة متماسكة مترابطة .
والله سبحانه وتعالى شرع الزواج، وجعله شعيرة من
شعائر دينه الحنيف الذي ارتضاه لعباده وحثهم عليه ورغبهم فيه، وجعل لهم
الأسوة في ذلك بمن بعثهم وأرسلهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله
عليهم أجمعين.. كل ذلك لما فيه من حكم بالغة، وما يحققه من مصالح وأهداف، تعود على
الإنسان بخير دنياه وآخرته، وعلى البشرية كافة بصالح حالها ومآلها. ولعل من
أهم هذه الحكم والأهداف التي تتحقق باستمرار هذه الشعيرة:
1ــــــــ تحقيق العبودية
لله بتنفيذ أمره .2 ـــــــ غض البصر وحفظ الفرج. 3 ــــــــ إنجاب الذرية
واستمرار النسل. 4 ـــــــــ تحقيق السكن النفسي والروحي. 5 ـــــــ المحافظة على
الأنساب. 6 ـــــــ صيانة المجتمعات البشرية من خطر الأمراض الفتاكة والأدواء
المعدية. 7 ــــــــ تحقيق الفطرة الإنسانية وإشباعها. 8 ــــــ تحقيق الستر
للمرأة والرجل. 9 ـــــــ تأجيج عاطفتي الأمومة والأبوة. 10 ــــــ استمرار الخلافة
في الأرض, ووضع الشارع
الحكيم شروطاً وضوابط لهذا الزواج حتى يكون صحيحاً، وعلى الوجه المطلوب شرعاً،
وهذه الشروط أربعة هي:
1- تعيين
الزوجين.
2- رضا الزوجين، فلا يجوز إكراه أحدهما على الآخر،
وتستأذن البكر والثيب، والإذن "صمات البكر، ونطق الثيب".
3- الولي، ويشترط أن يكون ذكراً حراً، بالغاً عاقلاً،
رشيداً عدلاً، ويشترط الاتفاق في الدين، وأبو المرأة أحق بتزويجها.
4- الشهادة، فلا يصح النكاح إلا بشاهدين عدلين، ذكرين
مكلفين. هذه هي
الشروط المعتبرة شرعاً لصحة الزواج.
·
أما اشتراط الشهادة في عقد النكاح: فقد
اختلف العلماء في أصل الشهادة في عقد النكاح، وعند تأمل أقوال الفقهاء يتبين أن
الخلاف في اشتراط الشهادة في عقد النكاح منحصر في قولين، وسبب الخلاف يرجع إلى
أمرين: الأول: هو المقصود من الشهادة في النكاح، هل هي حكم شرعي يجب امتثاله
والعمل به، أم يقصد بها التوثيق وسد ذريعة الاختلاف؟ فمن قال إنها حكم شرعي، قال
إن الشهادة شرط في صحة عقد النكاح، ومن قال: إنها توثيق لم يشترط الشهادة في عقد
النكاح، كالرهن والكفالة لا تشترط في البيوع. الثاني: الاختلاف في تصحيح أحاديث
اشتراط الشهادة في عقد النكاح، فمن صححها أو بعضها قال باشتراط الشهادة، ومن رأى
عدم صحتها قال بخلاف ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع فتاويه
:...
وَقَدْ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ هَذَا عَنْ هَذَا فَقِيلَ:
الْوَاجِبُ الْإِعْلَانُ فَقَطْ سَوَاءٌ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ كَقَوْلِ
مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَحْمَد فِي
رِوَايَةٍ. وَقِيلَ: الْوَاجِبُ الْإِشْهَادُ سَوَاءٌ أَعْلَنَ أَوْ لَمْ يُعْلِنْ
كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَد. وَقِيلَ:
يَجِبُ الْأَمْرَانِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أَحْمَد. وَقِيلَ:
يَجِبُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ عَنْ أَحْمَد. وَاشْتِرَاطُ
" الْإِشْهَادِ " وَحْدَهُ ضَعِيفٌ؛ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ
وَلَا فِي السُّنَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ حَدِيثٌ. وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي
يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ دَائِمًا لَهُ شُرُوطٌ لَمْ يُبَيِّنْهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى
فَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُونَ إلَى مَعْرِفَةِ هَذَا. وَإِذَا كَانَ
هَذَا شَرْطًا كَانَ ذِكْرُهُ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا
لَمْ يَكُنْ لَهُ ذِكْرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا حَدِيثٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا أَوْجَبَهُ
اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَنَاكِحِهِمْ. قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى النِّكَاحِ شَيْءٌ وَلَوْ
أَوْجَبَهُ لَكَانَ الْإِيجَابُ إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ هَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَجِبُ
إظْهَارُهَا وَإِعْلَانُهَا فَاشْتِرَاطُ الْمَهْرِ أَوْلَى؛ فَإِنَّ الْمَهْرَ
لَا يَجِبُ تَقْدِيرُهُ فِي الْعَقْدِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ
وَلَوْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ: وَلَمْ
يُضَيِّعُوا حِفْظَ مَا لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً مِنْ مَعْرِفَتِهِ
فَإِنَّ الْهِمَمَ وَالدَّوَاعِيَ تَتَوَافَرُ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي
يَأْمُرُ بِحِفْظِ ذَلِكَ. وَهُمْ قَدْ حَفِظُوا نَهْيَهُ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ
وَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ قَلِيلًا؛
فَكَيْفَ النِّكَاحُ بِلَا إشْهَادٍ إذَا كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَدْ
حَرَّمَهُ وَأَبْطَلَهُ كَيْفَ لَا يُحْفَظُ فِي ذَلِكَ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَوْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ
مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ لَكَانَ مَرْدُودًا عِنْدَ مَنْ يَرَى مِثْلَ ذَلِكَ؛
فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَعْظَمَ مِنْ
الْبَلْوَى بِكَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ نِكَاحٍ
لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِشْهَادِ؛ وَقَدْ عَقَدَ الْمُسْلِمُونَ
مِنْ عُقُودِ الْأَنْكِحَةِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ؛ فَعُلِمَ
أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِشْهَادِ دُونَ غَيْرِهِ بَاطِلٌ قَطْعًا؛ وَلِهَذَا كَانَ
الْمُشْتَرِطُونَ لِلْإِشْهَادِ مُضْطَرِبِينَ اضْطِرَابًا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ
الْأَصْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ قَوْلٌ يَثْبُتُ عَلَى مِعْيَارِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ
فِيهِمْ مَنْ يُجَوِّزُهُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ وَالشَّهَادَةُ الَّتِي لَا
تَجِبُ عِنْدَهُمْ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ فِيهَا بِإِشْهَادِ ذَوِي الْعَدْلِ
فَكَيْفَ بِالْإِشْهَادِ الْوَاجِبِ. ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ
" بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ " وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي
النِّكَاحِ ثُمَّ يَأْمُرُونَ بِهِ فِي النِّكَاحِ وَلَا يُوجِبُهُ أَكْثَرُهُمْ
فِي الرَّجْعَةِ وَاَللَّهُ أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ؛ لِئَلَّا
يُنْكَرَ الزَّوْجُ وَيَدُومُ مَعَ امْرَأَتِهِ فَيُفْضِي إلَى إقَامَتِهِ مَعَهَا
حَرَامًا؛ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْإِشْهَادِ عَلَى طَلَاقٍ لَا رَجْعَةَ مَعَهُ
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَرِّحُهَا بِإِحْسَانِ عقيب الْعِدَّةِ فَيَظْهَرُ
الطَّلَاقُ. وَلِهَذَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ مِمَّا يَعِيبُ بِهِ أَهْلُ
الرَّأْيِ: أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ؛ وَهُمْ
أُمِرُوا بِهِ فِي النِّكَاحِ دُونَ الْبَيْعِ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَالْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ دَلَّ
الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَمْ
يَرِدْ الشَّرْعُ فِيهِ بِإِشْهَادِ وَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ وَذَلِكَ أَنَّ
النِّكَاحَ أُمِرَ فِيهِ بِالْإِعْلَانِ فَأَغْنَى إعْلَانُهُ مَعَ دَوَامِهِ عَنْ
الْإِشْهَادِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَالنَّاسُ
يَعْلَمُونَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَكَانَ هَذَا الْإِظْهَارُ الدَّائِمُ
مُغْنِيًا عَنْ الْإِشْهَادِ كَالنَّسَبِ؛ فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى
أَنْ يُشْهِدَ فِيهِ أَحَدًا عَلَى وِلَادَةِ امْرَأَتِهِ؛ بَلْ هَذَا يَظْهَرُ
وَيَعْرِفُ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ هَذَا فَأَغْنَى هَذَا عَنْ الْإِشْهَادِ؛
بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُجْحَدُ وَيَتَعَذَّرُ إقَامَةُ
الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَظْهَرُ
فِيهِ كَانَ إعْلَانُهُ بِالْإِشْهَادِ. فَالْإِشْهَادُ قَدْ يَجِبُ فِي
النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يُعْلَنُ وَيَظْهَرُ؛ لَا لِأَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ لَا
يَنْعَقِدُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ؛ بَلْ إذَا زَوَّجَهُ وَلِيَّتهُ ثُمَّ خَرَجَا
فَتَحَدَّثَا بِذَلِكَ وَسَمِعَ النَّاسُ أَوْ جَاءَ الشُّهُودُ وَالنَّاسُ بَعْدَ
الْعَقْدِ فَأَخْبَرُوهُمْ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا: كَانَ هَذَا كَافِيًا.
وَهَكَذَا كَانَتْ عَادَةُ السَّلَفِ لَمْ يَكُونُوا يُكَلِّفُونَ إحضار
شَاهِدَيْنِ وَلَا كِتَابَةَ صَدَاقٍ وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِالْإِيجَابِ مِنْ
اشْتِرَاطِ شَاهِدَيْنِ مَسْتُورَيْنِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ
إلَّا مَنْ تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ: فَهَذَا أَيْضًا لَا يَحْصُلُ بِهِ
الْمَقْصُودُ. وَقَدْ شَذَّ بَعْضُهُمْ فَأَوْجَبَ مَنْ يَكُونُ مَعْلُومَ
الْعَدَالَةِ؛ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ قَطْعًا فَإِنَّ أَنْكِحَةَ
الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا يَلْتَزِمُونَ فِيهَا هَذَا. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ
الثَّلَاثَةُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد عَلَى قَوْلِهِ بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ.
فَقِيلَ: يُجْزِئُ فَاسِقَانِ: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ
مَسْتُورَانِ وَهَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَقِيلَ: فِي الْمَذْهَبِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ. وَقِيلَ: بَلْ
إنْ عَقَدَ حَاكِمٌ فَلَا يَعْقِدُهُ إلَّا بِمَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ بِخِلَافِ
غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ الْحُكَّامَ هُمْ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْمَبْرُورِ
وَالْمَسْتُورِ. ثُمَّ الْمَعْرُوفُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ حَاكِمِ الْبَلَدِ:
فَهُوَ خِلَافُ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: حَيْثُ
يَعْقِدُونَ الْأَنْكِحَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ
وَالْحَاكِمُ لَا يَعْرِفُهُمْ.( مجموع الفتاوى لابن تيمية ج:32\الصفحات:127
ـــــــــــــــ 130).
v
تحرير محل النزاع:
اتفق الجميع أنه لا بد من إظهار عقد النكاح للتفريق بين المعقود عليها بنكاح وغير
المعقود عليها، واختلف في حقيقة إظهار النكاح، فطائفة شرطت إظهاره بالشهود، وطائفة
قالت: يتحقق الإظهار بإخراجه عن أن يكون سراً غير مكتوم وإن لم يحضره أحد، ثم يشهد
بعد ذلك.(1).
v
القول الأول: إن الشهادة
شرط لصحة عقد النكاح: وهو قول الإمام أبي حنيفة، والشافعي، والمشهور عن الإمام
أحمد، وقال به من الصحابة أمير المؤمنين عمر وعلي وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.(2).
، ومن التابعين سعيد بن المسيب وجابر بن زيد والحسن والنخعي وقتادة والثوري والأوزاعي.(3).
وقال ابن رشد: "وكثير من الناس رأى هذا داخلاً في باب الإجماع وهو ضعيف"(4)..
v
القول الثاني: الشهادة
ليست شرطاً في صحة عقد النكاح: وهذا هو قول الإمام مالك(5)، وداود الظاهري، ورواية
عن الإمام أحمد، وفعله ابن عمر رضي الله عنه، وقال به من التابعين الحسن بن علي
وابن الزبير وسالم وحمزة ابنا عبد الله بن عمر، وعبد الله بن إدريس وعبد الرحمن بن
مهدي ويزيد بن هارون والعنبري وأبو ثور وابن المنذر، والليث، وهو اختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية.
v
الأدلة: أدلة القول الأول: أولاً:
استدلوا
بعدة أحاديث تدل على اشتراط الشاهدين في عقد النكاح، منها: 1 – ما روي عن عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي
وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل وإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا
ولي له"(6). ، ففي هذا الحديث نص صريح على نفي صحة النكاح إلا بالشاهدين كما
أنه لا يصح إلا بولي. 2 – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدين ومهر ما قل أو كثر"(7). وهذا دليل
ظاهر على وجوب الشاهدين في عقد النكاح. 3 – عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"(8). 4 – وعن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بأربعة:
خاطب وولي وشاهدين"(9). 5 – وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "لا بد في النكاح من أربعة: الولي والزوج والشاهدين"(10).
وغيرها
من الأحاديث الدالة على اشتراط الشاهدين في النكاح. 6 – روي عن الحسن أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل"(11).
قال الشافعي رحمه الله: هذا وإن كان منقطعاً دون النبي صلى الله عليه وسلم فإن
أكثر أهل العلم يقول به، ويقول: هو الفرق بين النكاح والسفاح. ثانياً: استدلوا
أيضاً بآثار مروية عن عدد من الصحابة منها: 1 – عن الحسن وسعيد بن المسيب أن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"(12). 2 –
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة،
فقال: "هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمته"(13).. قال
الزركشي: وخص النكاح – والله أعلم – باشتراط الشهادة، دون غيره من العقود، لما فيه
من تعلق حق غير المتعاقدين وهو الولد. 3 – عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
"لا نكاح إلا بولي ولا نكاح إلا بشهود"(14).. ثالثاً: من المعنى: 1 –
قالوا: إن اشتراط الشهادة في النكاح آكد من اشتراطها في البيع؛ لأن النكاح يتعلق
به حق غير المتعاقدين، وهو الولد؛ لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه بخلاف البيع. 2 –
ولأن في اشتراط الشهادة في عقد النكاح احتياطاً للأبضاع، وصيانة للأنكحة عن
الجحود.
v مناقشة هذه الأدلة: الأحاديث التي استدلوا بها لا
تخلو في جملتها من مقال، ولا يثبت في اشتراط الشهادة حديث يتعين القول به والمصير
إليه، وقد ضعف هذه الأحاديث بعامة عدد من الأئمة، فمن أقوالهم: أ – قال الإمام
أحمد رحمه الله في رواية الميموني: "لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في
الشاهدين شيء"(15). ب – وقال ابن المنذر: "لا يثبت في الشاهدين في
النكاح خبر"(16). ج- وقال ابن عبد البر وقد روي بإسناده حديث "لا نكاح
إلا بولي وشاهدين عدلين) عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر، قال: "إلا أن في
نقله ذلك ضعفاً فلم أذكره"(17). د – وقال الزيلعي: "والأحاديث كلها
مدخولة"(18).. هـ - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس في اشتراط الشهادة
في النكاح حديث ثابت، لا في الصحاح ولا في السنن ولا في المساند"(19). وأجيب
عن هذه المناقشة: بأنه قد صحح بعض أحاديث اشتراط الشهادة في عقد النكاح عدد من
أساطين الحديث وأئمة الحفظ، ومن ذلك: 1 – قال ابن حبان في حديث عائشة الأول:
"ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر"(20).
قال
ابن الملقن: "هو كما قال وله طرق أخرى فيها ضعف لا حاجة إليها معه"(21).
2 – قال الشافعي رحمه الله في حديث عمران: "وهذا وإن كان منقطعاً فإن أكثر
أهل العلم يقولون به"(22). ، وصحح الذهبي إسناده(23). 3 – قال أبو عيسى
الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا: لا نكاح إلا بشهود، لم يختلفوا في ذلك – من
مضى منهم – إلا قوماً من المتأخرين من أهل العلم"(24). يرد عن هذه الإجابة:
لو سلمنا بصحة حديث (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) فقد أجاب بعض المالكية الذين
يشترطون الشهادة في الدخول دون العقد بأن النفي دائر بين القضاء والفتوى، ولم ينص
على أحدها فهو مطلق فيهما ونحن نحمله على القضاء فلا يحكم حاكم بصحة نكاح إلا
ببينة، أما الحل، فثابت دون البينة(25) .
v أدلة القول الثاني: أولاً:
استدلوا بالعموميات: 1 – بعموم قول الله تعالى:
"فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ" ، فلم يذكر الله تعالى
الشهادة، فيبقى النص على الإطلاق ولا تشترط الشهادة(26). 2 – وبعموم قول الله
تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" ،
والنكاح من العقود التي يجب الوفاء بها دون شهود.(27). ثانياً: من السنة: 1 – عن
أنس بن مالك رضي الله عنه: "اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة
أرؤس، فقال الناس: ما ندري أتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جعلها أم ولد؟
فلما أراد أن يركب حجبها فعلموا أنه تزوجها"(28). وجه الاستدلال: أنهم لم
يستدلوا على تزويجها إلا بالحجاب مما دل على عدم اشتراط الإشهاد في عقد النكاح.(29).
2 – وروى عباد بن سنان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أنكحك آمنة
بنت ربيعة بن الحارث، قال: بلى، قد أنكحتها ولم يشهد"(30). 3 – ولما روي أن
علياً زوج أم كلثوم من عمر ولم يشهد. ثالثاً: استدلوا بآثار رويت عن بعض الصحابة،
منها: 1 – احتج الإمام أحمد بأن ابن عمر زوج بلا شهود، وهو من أشد الصحابة رضي
الله عنهم تمسكاً بالسنة، فقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن حبيب
مولى عروة بن الزبير قال: بعثني عروة إلى عبد الله بن عمر لأخطب له ابنة عبد الله،
فقال عبد الله: نعم إن عروة لأهل أن يزوج، ثم قال: ادعه، فدعوته لم يبرح حتى زوجه،
قال حبيب: وما شهد ذلك غيري وعروة وعبد الله(31). 2 – فعله الحسن بن علي وابن
الزبير، وسالم وحمزة ابنا عبد الله بن عمر. رابعاً: استدلوا أيضاً بعدة تعليلات
وأقيسة، منها: 1 – قياس النكاح على الرهن والكفالة في عدم اشتراط الإشهاد فيها
بجامع أن كلاً منها عقد توثيق. 2 – قالوا: ولأن كل شخص لا يحتاج إليه في إيجاب ولا
قبول لم يكن حضوره شرطاً في انعقاد النكاح كالزوجة وسائر الأجانب.
v وجاء في كتبهم ما يلي :
جاء في كتاب: المدونة: ج 2\127:
[النِّكَاحُ بِغَيْرِ
بَيِّنَةٍ]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ
بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَأَقَرَّ الْمُزَوِّجُ بِذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَهُ بِغَيْرِ
بَيِّنَةٍ أَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَتَكُونُ الْعُقْدَةُ
صَحِيحَةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ:نعم.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«أَلَا أُنْكِحُكَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ؟ قَالَ: بَلَى
قَدْ أَنْكَحْتهَا وَلَمْ يُشْهِدْ» ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ
حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ خَطَبَ عَلَى ابْنِهِ إلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ
يُزَوِّجَهُ قَالَ لَهُ حَمْزَةُ أَرْسِلْ إلَى أَهْلِك، قَالَ سَالِمٌ:
فَزَوَّجَهُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبْدَادِ فِي
النِّكَاحِ والعَتاقة.
وجاء في كتاب: التهذيب في اختصار المدونة
لمؤلفه: خلف بن أبي القاسم
محمد، الأزدي القيرواني، أبو سعيد ابن البراذعي المالكي (المتوفى: 372هـ) ج2\162
دراسة وتحقيق: الدكتور محمد
الأمين ولد محمد سالم بن الشيخ:
ومن نكح بغير بينة على غير استسرار أشهد الآن وجاز
نكاحه، وإن أقر الزوج والولي بالعقد ثم قالا أو أحدهما لم يُشهد، أشهدا الآن وليس
لأحدهما فسخه.
وفي كتاب: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل
لمؤلفه: شمس الدين أبو عبد الله
محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي
(المتوفى: 954هـ): ج3\410
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي
الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَفْذَاذِ فِي النِّكَاحِ وَالْعتَاقِ,
عِيَاضٌ: الْأَفْذَاذُ الْمُتَفَرِّقُونَ وَهُوَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الشُّهُودُ
عَلَى شَهَادَةِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ وَالْوَلِيِّ إذَا عَقَدُوا النِّكَاحَ
وَتَفَرَّقُوا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَشْهِدْ مَنْ لَقِيتَ أَبُو
الْحَسَنِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا شَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ وَشَاهِدَانِ عَلَى
الْوَلِيِّ وَشَاهِدَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي
التَّبْصِرَةِ عَنْ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَفِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ بِأَرْبَعَةٍ
شَاهِدَانِ عَلَى الْمُنْكِحِ وَشَاهِدَانِ عَلَى النَّاكِحِ، وَأَمَّا إنْ
أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ صَاحِبُهُ مَرَّةً
بَعْدَ مَرَّةٍ فَلَيْسَتْ بِأَفْذَاذٍ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبِكْرَ
بِلَا وَلِيٍّ مُجْبِرٍ مِثْلُ الثَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ
الْهِنْدِيِّ فِي وَثَائِقِهِ: شَهَادَةُ الْأَفْذَاذِ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا إذَا
أَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ نَصِّ مَا شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ
كَانَ مَعْنَى شَهَادَتِهِمْ وَاحِدًا حَتَّى يَتَّفِقَ شَاهِدَانِ عَلَى نَصٍّ
وَاحِدٍ انْتَهَى وَسَمَّاهَا ابْنُ فَرْحُونٍ شَهَادَةَ الْأَبْدَادِ قَالَ:
قَالَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ فِي غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ: الْأَبْدَادُ
بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُمْ الْمُتَفَرِّقُونَ وَاحِدُهُمْ بُدٌّ مِنْ
التَّبَدُّدِ لِتَفَرُّقِ الشُّهُودِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وفي كتاب: الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
لمؤلفه: أحمد بن غانم (أو غنيم)
بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: 1126هـ): ج2\4:
(وَ) لَا نِكَاحَ إلَّا
بِشَهَادَةِ (شَاهِدَيْ عَدْلٍ) وَيُسْتَحَبُّ إشْهَادُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ
(فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ
الْأَلِفُ ضَمِيرُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ (فِي) حَضْرَةِ (الْعَقْدِ فَلَا
يَبْنِ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَلِيَ (بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ) أَيْ
الزَّوْجُ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يَبْنِ، وَنُسْخَةُ
يُشْهِدَا بِأَلِفِ الِاثْنَيْنِ مُنَاسِبَةٌ لِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا
بِضَمِيرِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ، فَإِنْ وَجَدَا رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ بَعْدَ
الْعَقْدِ وَأَشْهَدَاهُمَا عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ كَفَى فِي الْوُجُوبِ،
وَكَذَا إنْ لَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ شَاهِدَيْنِ وَأَشْهَدَهُمَا،
بِخِلَافِ لَوْ أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ ثُمَّ لَقِيَهُمَا الْآخَرُ
وَحْدَهُ وَأَشْهَدَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
أَرْبَعَةٍ عِنْدَ التَّفَرُّقِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبِكْرِ، وَأَمَّا لَوْ
عَقَدَ عَلَى ثَيِّبٍ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ وَأَشْهَدَا مُتَفَرِّقَيْنِ فَلَا
بُدَّ مِنْ سِتَّةٍ شَاهِدَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ وَشَاهِدَيْنِ عَلَى الْوَلِيِّ
وَشَاهِدَيْنِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى شَهَادَةُ الْإِبْدَادِ أَيْ
التَّفَرُّقِ، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيَّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ الْإِشْهَادِ
وَاجِبٌ، وَأَمَّا حُضُورُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ
الدُّخُولِ فَوَاجِبٌ.

وجاء في كتاب: منح الجليل شرح مختصر خليل
لمؤلفه: محمد بن أحمد بن محمد
عليش، أبو عبد الله المالكي (المتوفى: 1299هـ): ج3\259:
عِيَاضٌ الْأَبْدَادُ
الْمُفْتَرِقُونَ بِأَنْ لَا يَجْتَمِعَ الشُّهُودُ عَلَى إشْهَادِ الْوَلِيِّ
وَالْمُتَنَاكِحِينَ بِأَنْ عَقَدُوا النِّكَاحَ وَتَفَرَّقُوا وَقَالَ كُلُّ
وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ أَشْهِدْ مَنْ لَقِيت بِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّيْخُ فِي
الْمُخْتَصَرِ
فَيَكُونُ عَلَى هَذَا
شَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ، وَشَاهِدَانِ عَلَى الْوَلِيِّ، وَشَاهِدَانِ عَلَى
الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ فِي حُكْمِهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا
ذَاتَ أَبٍ كَانُوا أَرْبَعَةً، وَإِنْ أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ ثُمَّ
لَقِيَهُمَا الْآخَرُ فَأَشْهَدَهُمَا أَيْضًا فَلَيْسَتْ شَهَادَةَ أَبْدَادٍ.
عِيَاضٌ وَهَذَا عَلَى أَصْلِنَا وَمَشْهُورُ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْإِشْهَادَ
لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ اهـ.
قَوْلُهُ فَلَيْسَتْ شَهَادَةَ
أَبْدَادٍ أَيْ لَا تُسَمَّى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ التَّبَدُّدِ أَيْ
التَّفَرُّقِ وَلَا تَفَرُّقَ هُنَا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمَا فَهِمَهُ عج
قَائِلًا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ التَّبْصِرَةِ،
وَنَصُّهَا لِابْنِ فَرْحُونٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ الزِّنَا لَا بُدَّ فِيهِ
مِنْ أَرْبَعَةٍ وَيُلْحَقُ بِهَذَا اللِّعَانُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ أَقَلَّ
شُهُودِهِ أَرْبَعَةٌ وَشَهَادَةُ الْأَبْدَادِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ
شَاهِدَانِ عَلَى الْأَبِ وَشَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ أَشْهَدَ
أَحَدُهُمَا الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشْهَدَهُمَا الْآخَرُ فَلَا تُسَمَّى
شَهَادَةَ أَبْدَادٍ. اهـ. أَيْ مَعَ قَبُولِهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا
تُقْبَلُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا كَمَا فَهِمَهُ عج.

وفي كتاب: الفقه على المذاهب الأربعة
لمؤلفه: عبد الرحمن بن محمد عوض
الجزيري (المتوفى: 1360هـ): ج4\26
المالكية قالوا: ....... وإذا
عقد الولي من غير شهود ثم تفرقا فلقي الولي شاهدين فقال لهما: أشهدكما بأنني زوجت
فلاناً لفلانة ولقي الزوج شاهدين غيرهما فقال لهما: أشهدكما بأنني تزوجت فلانة
فإنه يصح، ويقال لهذه الشهادة: شهادة الأبداد - أي المتفرقين - وهي تكفي في النكاح
والعتق، فيكون على الزوج شاهدان وعلى الولي شاهدان.
وينبغي أن يكون شاهدا الولي غير
شاهدي الزوج فإن كان شاهدا أحدهما عين شاهدي الآخر فلا تكون الشهادة شهادة أبداد
ولكن يكفي ذلك في العقد إذ لا يلزم فيه أن يكون الشهود أربعة.
ثم إذا دخل عليها بدون شهادة
اثنين واعترف بأنه وطئها أو قامت بينة بأنه وطئها كان عليهما حد الزنا ما لم يشتهر
الدخول بها - كزوجة له - بوليمة أو دف أو ايقاد نار أو نحو ذلك مما يعمل عادة عند
الدخول بالأزواج، وكذا إذا كان على الدخول أو العقد شاهد واحد.

وفي كتاب: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام
لمؤلفه: إبراهيم بن علي بن
محمد، ابن فرحون، برهان الدين اليعمري (المتوفى: 799هـ): ج1\459
[الْبَابُ السَّابِعُ
وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْأَبْدَادِ]
وَالشَّهَادَاتِ الَّتِي
يُصَحِّحُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ فِي غَرِيبِ
الْمُدَوَّنَةِ، الْأَبْدَادُ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَهُمْ
الْمُتَفَرِّقُونَ، وَاحِدُهُمْ: بُدٌّ مِثْلُ: مُدٍّ مِنْ الْبَيْدِ، هُوَ
مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَدَّدَ اللَّهُ شَمْلَ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ
شَهِدُوا فِي ذَلِكَ مُتَفَرِّقِينَ، وَاحِدٌ هَا هُنَا، وَآخَرُ فِي مَوْضِعٍ
آخَرَ، وَوَاحِدٌ الْيَوْمَ، وَوَاحِدٌ غَدًا، وَوَاحِدٌ عَلَى مَعْنًى، وَوَاحِدٌ
عَلَى مَعْنًى آخَرَ. فَرْعٌ: وَفِي التَّهْذِيبِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ:
يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبْدَادِ فِي النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ:
وَهِيَ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ الشُّهُودُ عَلَى إشْهَادِ الْوَلِيِّ
وَالنَّاكِحَيْنِ، بَلْ إنَّمَا عَقَدُوا وَتَفَرَّقُوا، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ:
أَشْهِدْ مَنْ لَقِيت، هَكَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهَذَا هُوَ
الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا، أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ
الْعَقْدِ.
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ،
أَنَّهُ شَرْطٌ قَالَ أَبُو إبْرَاهِيم فِي الطُّرَرِ عَلَى التَّهْذِيبِ
فَتَتِمُّ بِسِتَّةٍ شُهُودٍ: اثْنَانِ عَلَى الْوَلِيِّ، وَاثْنَانِ عَلَى
الزَّوْجِ، وَاثْنَانِ عَلَى الزَّوْجَةِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا.
وَفِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ
بِأَرْبَعَةٍ شَاهِدَانِ عَلَى النَّاكِحِ، وَشَاهِدَانِ عَلَى الْمُنْكَحِ،
وَأَمَّا إنْ أَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ
صَاحِبُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَلَيْسَتْ بِأَبْدَادٍ.
v وبفقد أحد الشروط المعتبرة شرعا لصحة عقد
النكاح يعتبر النكاح فاسدا أو باطلاً، وكما قرره فقهاؤنا - رحمهم الله -
فلا يعتد بتغير الزمان، والمكان؛ لأن هذه القواعد ثابتة لا يغيرها زمان ولا مكان.
فالنكاح الفاسد
والباطل يفترقان في إثبات النسب ، حيث إن الفاسد يثبت فيه النسب في معظم صوره ، و
الباطل لا يثبت فيه النسب . فالنكاح الفاسد هو ما فقد شرطا من شروط الصحة كالزواج
بغير شهود وجمع خمس في العقد والجمع بين المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها..
و الفقهاء وإن كانون لم يفرقوا بين الفاسد والباطل في كثير
من أبواب الفقه إلا أنهم في هذه المسألة جعلوا للفاسد حكما يختلف فيه عن النكاح
الباطل من حيث إلحاق النسب بالأول ، وعدم إلحاقه بالثاني ، بناء على أن الفاسد من
العقود مشروع بأصله لا بوصفه, ومن هنا
أخذوا بالاحتياط في النسب فأثبتوه به ، لأن النسب عندهم يلحق بأدنى سبب ولو كان
الزواج فاسدا, وأن الباطل غير مشروع لا بأصله ولا
بوصفه ، فلم يجدوا منفذا لإلحاق النسب به ، وأن هذا لا يخالف ما درج عليه الفقهاء
من الاحتياط في الأنساب وإلحاقها بمن ادعاها ولو بأدنى سبب ، لأن هذا الأدنى غير
متوفر في حالة بطلان العقد .
و نصوا كذلك على أن النكاح الفاسد المختلف فيه بعد الدخول تترتب عليه آثار النكاح
الصحيح، والنكاح بدون ولي ولا شهود مختلف فيه، كما نقل ذلك صاحب نهاية المحتاج من
الشافعية، عن داود الظاهري فقال شارحاً لكلام النووي : وكذا كل جهة أباح بها عالم
يعتد بخلافه لشبهة إباحته، وإن لم يقلده الفاعل، كنكاح بلا شهود على الصحيح، كمذهب
مالك على ما اشتهر عنه، لكن المعروف عن مذهبه اعتبارها في صحة الدخول حيث لم يقع
وقت العقد، أو بلا ولي كمذهب أبي حنيفة، أو بلا ولي وشهود كما نقل عن داود . انتهى
وقال ابن
قدامة في المغني: ولا يجب الحد
بالوطء في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة والشغار والتحليل والنكاح بلا ولي وشهود.(ج:9
\ص:57).
وقال صاحب
كشاف القناع: ما معناه: أن من تزوج بلا ولي
ولا شهود فإن وطأه بذلك وطء شبهة يلحق به الولد ويتوارث معه، ولكن يستحقان العقوبة
على مثل هذا العقد.
وفي بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني:
:( فصل )
وأما
النكاح الفاسد ، فلا حكم له قبل الدخول ، وأما بعد الدخول ، فيتعلق به أحكام منها
ثبوت النسب ومنها وجوب العدة ، وهو حكم الدخول في الحقيقة ومنها وجوب المهر.
(ج:2
\ص:335).
وقال شيخ الإسلام:
ممثلاً للأنكحة المختلف فيها: كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا
ولي ولا شهود، فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحاً لحقه فيه النسب. (ج:34\ص:15).
وقال رحمه الله في موضع آخر: فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه
نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه ولده ويتوارثان بإتفاق المسلمين؛ وإن كان ذلك
النكاح باطلاً في نفس الأمر بإتفاق المسلمين. (ج:34\ص:13).
وعليه، فيثبت بهذا النكاح النسب والعدة بالخلوة أو بالموت، كما يثبت به الميراث
إذا حصل الموت قبل الفسخ.
قال المواق في التاج والإكليل:
وتقع فيه الموارثة قبل الفسخ. (ج:5\ص:90).
يعني النكاح المختلف فيه، ما لم يكن هناك مانع من الإرث كاختلاف الدين..
جاء في البحر الرائق : إن النسب كما يثبت بالنكاح
الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد وبالوطء عن شبهة وبملك اليمين .
و في المبدع في شرح المقنع لأبي إسحاق
برهان الدين بن محمد بن عبد الله الحنبلي: ويلحق النسب
في النكاح الفاسد كالصحيح وقيل إن اعتقد فساده فلا ..... فَرْعٌ:
إِذَا تَحَمَّلَتْ مَاءَ زَوْجِهَا لَحِقَهُ نَسَبُ مَنْ وَلَدَتْهُ مِنْهُ، وَفِي
الْعِدَّةِ وَالْمَهْرِ وَجْهَانِ، فَإِنْ كَانَ حَرَامًا، أَوْ مَاءَ مَنْ
ظَنَّتْهُ زَوْجَهَا، فَلَا نَسَبَ، وَلَا مَهْرَ، وَلَا عِدَّةَ فِي الْأَصَحِّ
فِيهَا.
(وَإِنْ لَمْ يمَكُنْ
كَوْنُهُ مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
مُنْذُ تَزَوَّجَهَا، أَوْ لِأَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا)
لَمْ يَلْحَقْهُ ; لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ.(ج:7\ص:64).
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتَّفَقَ
الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْوَطْءِ فِي
النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، كَالنِّكَاحِ بِدُونِ
شُهُودٍ، أَوْ بِدُونِ وَلِيٍّ، وَكَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ، وَنِكَاحِ
الشِّغَارِ. وَيَزِيدُ الْحَنَابِلَةُ ثُبُوتَهُمَا بِالْخَلْوَةِ؛ لأِنَّهُ
يَنْفُذُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَشْبَهَ الصَّحِيحَ.
وَيَتَّفِقُونَ كَذَلِكَ عَلَى
وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى
فَسَادِهِ بِالْوَطْءِ كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ، وَزَوْجَةِ الْغَيْرِ وَالْمَحَارِمِ
إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ، بِأَنْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ
بِالْحُرْمَةِ, وَلأِنَّ الأْصْل عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:
أَنَّ كُل نِكَاحٍ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ فَالْوَلَدُ لاَحِقٌ بِالْوَاطِئِ..
انتهى.(ج:8\ص:124).
وإن
أراد الزوج السابق تجديد العقد عليها في عدتها من نكاحه الفاسد جاز له ذلك عند
أكثر أهل العلم، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ويجوز أن
يزوجها الأب في عدة النكاح الفاسد عند أكثر العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد في
المشهور عنه, والله أعلم. (ج:32\ص:19).
وجاء في الموسوعة الفقهية
: اتفق الفقهاء على أن النسب يثبت في النكاح الفاسد إذا اتصل به دخول حقيقي ، لأن
النسب يُحتاطُ في إثباته إحياءً للولد.
ــــــــــــ بدء اعتبار مدة النسب في
النكاح الفاسد : نص أبو حنيفة وأبو يوسف على أن
مدة النسب تعتبر من وقت النكاح كما في النكاح الصحيح ، لأن حكم النكاح الفاسد يؤخذ
من الصحيح .
وذهب محمد بن الحسن إلى أنها تعتبر من وقت الدخول وعليه الفتوى ، لأن النكاح
الفاسدَ ليس بداع إليه, والإقامةُ باعتباره ، أي إقامةُ النكاح مقام الوطء باعتبار
أن النكاح داع إلى الوطء ، والنكاح الفاسد ليس بداع إليه فلا يُقام مَقامَه انتهى.
(ج:40\ص:236).
وعلى
نحو ما ذكرناه آنفاً فإن النسب لا يثبت
إلا في الحالات التي ذكرناها آنفاً و هي الزواج
الصحيح أو الفاسد أو الوطء بشبهة
و فيما عدا ذلك فلا يثبت نسب, وحددت الشريعة
الإسلامية طرق إنكار النسب .
والنكاح
إذا اختل شرط من شروطه يكون غير صحيح ومنه الواقع على غير ولي ، فإن كان بحيث لا
يختلف فيه كأن يتزوج خامسة أو معتدة فإن دخل فيه فهو زنا -إن أقدم على ذلك وهو
عالم بحرمته - وبالتالي يجب عليه الحد.
وأما إذا كان مختلفا فيه كالنكاح بلا ولي ووقع فيه الدخول فإنه لا يوجب حدا عند
جمهور الفقهاء, وذهب الإصطخري وغيره أنه يوجب حدا وهو ضعيف كما صرح به النووي في
روضة الطالبين(7/51).
وقال ابن قدامة المقدسي
:"... ولا يجب الحد بالوطء في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة والشغار والتحليل
والنكاح بلا ولي ولا شهود ونكاح الأخت في عدة أختها البائن وكنكاح الخامسة في عدة
الرابعة ).
وإذا حصل الدخول في النكاح المختلف فيه ومنه النكاح بلا ولي فإنه يجب المهر بنص
الحديث ( ..فلها المهر بما استحل من فرجها) ولم يختلف الفقهاء في ذلك ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة
(4/188) .: "يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق " انتهى من
كتابه :منهاج السنة (4/188) . وأما قبل الدخول فلا مهر .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "....
فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اعْتَقَدَ
الزَّوْجُ أَنَّهُ نِكَاحٌ سَائِغٌ إذَا وَطِئَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيهِ
وَلَدُهُ وَيَتَوَارَثَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
النِّكَاحُ بَاطِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ
كَانَ النَّاكِحُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا. وَالْيَهُودِيُّ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ
أَخِيهِ كَانَ وَلَدُهُ مِنْهُ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وَيَرِثُهُ بِاتِّفَاقِ
الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ بَاطِلًا بِاتِّفَاقِ
الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ كَانَ كَافِرًا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ.
وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الْجَاهِلُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا كَمَا
يَفْعَلُ جُهَّالُ الْأَعْرَابِ وَوَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا زَوْجَةً كَانَ
وَلَدُهُ مِنْهَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وَيَرِثُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ.
فَإِنَّ " ثُبُوتَ
النَّسَبِ " لَا يَفْتَقِرُ إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛
بَلْ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَوَطِئَهَا
يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ: إمَّا لِجَهْلِهِ, وَإِمَّا
لِفَتْوَى مُفْتٍ مُخْطِئٍ قَلَّدَهُ الزَّوْجُ. وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ
يَلْحَقُهُ النَّسَبُ، وَيَتَوَارَثَانِ بِالِاتِّفَاقِ؛
بَلْ وَلَا تُحْسَبُ الْعِدَّةُ إلَّا مِنْ حِينِ تَرَكَ وَطْأَهَا؛
فَإِنَّهُ كَانَ يَطَؤُهَا يَعْتَقِدُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، فَهِيَ فِرَاشٌ لَهُ
فَلَا تَعْتَدُّ مِنْهُ حَتَّى تَتْرُكَ الْفِرَاشَ.
وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً "
نِكَاحًا فَاسِدًا، مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ
أَوْ مَلَكَهَا مِلْكًا مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، أَوْ مُخْتَلَفًا فِي
فَسَادِهِ، أَوْ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ، أَوْ أَمَتَهُ
الْمَمْلُوكَةَ: فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، وَيَتَوَارَثَانِ
بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْوَلَدُ أَيْضًا يَكُونُ حُرًّا؛ وَإِنْ كَانَ
الْمَوْطُوءَةُ مَمْلُوكَةً لِلْغَيْرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَوُطِئَتْ بِدُونِ
إذْنِ سَيِّدِهَا؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْوَاطِئُ مَغْرُورًا بِهَا زُوِّجَ بِهَا
وَقِيلَ: هِيَ حُرَّةٌ، أَوْ بِيعَتْ فَاشْتَرَاهَا يَعْتَقِدُهَا مِلْكًا
لِلْبَائِعِ؛ فَإِنَّمَا وَطِئَ مَنْ يَعْتَقِدُهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ، أَوْ
أَمَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ: فَوَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ؛ لِاعْتِقَادِهِ. وَإِنْ كَانَ
اعْتِقَادُهُ مُخْطِئًا، وَبِهَذَا قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَاتَّفَقَ
عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ.فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَطِئُوا وَجَاءَهُمْ
أَوْلَادٌ لَوْ كَانُوا قَدْ وَطِئُوا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ مُتَّفَقٍ عَلَى
فَسَادِهِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ وَقَعَ بِهِمْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ
وَطِئُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ؛ لِإِفْتَاءِ مَنْ أَفْتَاهُمْ،
أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ: كَانَ نَسَبُ الْأَوْلَادِ بِهِمْ لَاحِقًا، وَلَمْ
يَكُونُوا أَوْلَادَ زِنًا؛ بَلْ يَتَوَارَثُونَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
هَذَا فِي الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ فَكَيْفَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ؟
وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الَّذِي وَطِئَ بِهِ قَوْلًا ضَعِيفًا: كَمَنْ وَطِئَ فِي
نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَلَا
شُهُودٍ؛ فَإِنَّ هَذَا إذَا وَطِئَ فِيهِ يَعْتَقِدُهُ نِكَاحًا لَحِقَهُ فِيهِ
النَّسَبُ، فَكَيْفَ بِنِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ حُجَّةُ
الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ، وَظَهَرَ ضَعْفُ الْقَوْلِ
الَّذِي يُنَاقِضُهُ، وَعَجَزَ أَهْلُهُ عَنْ نُصْرَتِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ
التَّامِّ؛ لِانْتِفَاءِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ؟ ، فَمَنْ قَالَ إنَّ هَذَا
النِّكَاحَ أَوْ مِثْلَهُ يَكُونُ الْوَلَدُ فِيهِ وَلَدَ زِنًا لَا يَلْحَقُهُ
نَسَبُهُ وَلَا يَتَوَارَثُ هُوَ وَأَبُوهُ الْوَاطِئُ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ
لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. مُنْسَلِخٌ مِنْ رِبْقَةِ الدِّينِ ، فَإِنْ كَانَ
جَاهِلًا عُرِّفَ وَبُيِّنَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاءَهُ الرَّاشِدِينَ وَسَائِرَ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَلْحَقُوا
أَوْلَادَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً
بِالْإِجْمَاعِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي لُحُوقِ النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ
النِّكَاحُ جَائِزًا فِي شَرْعِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ
مَنْ أَصَرَّ عَلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ
الْهُدَى وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ
تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. (الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج:34 – ص: 13.....15).
وجاء في المغني لابن قدامة:
[فَصْلٌ نَكَحَ امْرَأَةً
نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ قَذَفَهَا وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ]
(6241) فَصْلٌ: وَإِذَا نَكَحَ
امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا، ثُمَّ قَذَفَهَا، وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ
نَفْيَهُ، فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، حُدَّ وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا. وَبِهَذَا قَالَ
الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ، وَلَيْسَ لَهُ
نَفْيُهُ، وَلَا اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ
الْأَجْنَبِيَّاتِ، أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ. وَلَنَا، أَنَّ
هَذَا وَلَدٌ يَلْحَقُهُ بِحُكْمِ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَكَانَ لَهُ نَفْيُهُ،
كَمَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، وَيُفَارِقُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ،
فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْقَذْفِ؛ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، وَيُفَارِقُ
سَائِرَ الْأَجْنَبِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ وَلَدُهُنَّ، فَلَا حَاجَةَ
بِهِ إلَى قَذْفِهِنَّ، وَيُفَارِقُ الزَّوْجَةَ. فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى
قَذْفِهَا مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، لِكَوْنِهَا خَانَتْهُ وَغَاظَتْهُ وَأَفْسَدَتْ
فِرَاشَهُ، فَإِذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَالْحَاجَةُ مَوْجُودَةٌ
فِيهِمَا، وَإِذَا لَاعَنَ سَقَطَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لِعَانٌ مَشْرُوعٌ لِنَفْيِ
الْحَدِّ، فَأَسْقَطَ الْحَدَّ، كَاللِّعَانِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ. وَهَلْ يُثْبِتُ
التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يُثْبِتُهُ؛ لِأَنَّهُ
لِعَانٌ صَحِيحٌ، أَشْبَهَ لِعَانَ الزَّوْجَةِ. وَالثَّانِي، لَا يُثْبِتُهُ؛
لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَحْصُلْ
بِهِ، فَإِنَّهُ لَا نِكَاحَ
بَيْنَهُمَا يَحْصُلُ قَطْعُهُ بِهِ، بِخِلَافِ لِعَانِ الزَّوْجَةِ، فَإِنَّ
الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِهِ. وَلَوْ لَاعَنَهَا مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ، لَمْ يَسْقُطْ
الْحَدُّ، وَلَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ؛ لِأَنَّهُ لِعَانٌ فَاسِدٌ،
فَلَمْ تَثْبُتْ أَحْكَامُهُ.
وَسَوَاءٌ اعْتَقَدَ أَنَّ
النِّكَاحَ صَحِيحٌ أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي نَفْسِهِ
لَيْسَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَاعَنَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا
زَوْجَتَهُ.(ج:8\ص:55).

[فَصْل أَبَانَ زَوْجَتَهُ
ثُمَّ قَذَفَهَا بزنا أضافه إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ]
(6242) فَصْلٌ: فَلَوْ أَبَانَ
زَوْجَتَهُ، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا أَضَافَهُ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، فَهِيَ
كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا؛ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ،
فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ، وَإِلَّا حُدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْ. وَبِهَذَا
قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحَدُّ، وَيَلْحَقُهُ
الْوَلَدُ، وَلَا يُلَاعِنُ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَوَجْهُ الْمَذْهَبَيْنِ مَا
تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَالْحَسَنِ، أَنَّهُ يُلَاعِنُهَا؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ مُضَافٌ إلَى حَالِ
الزَّوْجِيَّةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ.
وَلَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ
بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَبِهِ حَاجَةٌ إلَى الْقَذْفِ، فَشُرِعَ، كَمَا لَوْ
قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، فَلَا حَاجَةَ
بِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ
يُضِفْهُ إلَى حَالِ الزَّوْجِيَّةِ. وَمَتَى لَاعَنَهَا لِنَفْيِ وَلَدِهَا
انْتَفَى، وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ. وَفِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ
وَجْهَانِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَهَا قَبْلَ وَضْعِ الْوَلَدِ؟ فِيهِ
وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ لِعَانُهَا بَعْدَ
الْوَضْعِ، كَانَ لَهُ لِعَانُهَا قَبْلَهُ، كَالزَّوْجَةِ. وَالثَّانِي، لَيْسَ
لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ عِنْدَهُ لَا
يَنْتَفِي فِي حَالِ الْحَمْلِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا يَثْبُتُ هَاهُنَا
لِأَجْلِ الْوَلَدِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِهِ
بِوَضْعِهِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِعَانِهَا مَعَ عَدَمِ
الْوَلَدِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. (ج:8\ص:55).
وفي كتاب: الشرح الكبير على متن المقنع
لمؤلفه: عبد الرحمن بن محمد بن
أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، أبو الفرج، شمس الدين (المتوفى: 682هـ)
قال: فأما إن قال أنت طالق
ثلاثا يا زانية, فإن كان بينهما ولد فإنه يلاعن لنفيه وإلا حد ولم يلاعن لأنه يتبين
إضافة القذف إلى حال الزوجية لاستحالة الزنا منها بعد طلاقه لها فصار كأنه قال لها
بعد إبانها زنيت إذ كنت زوجتي على ما نذكره (مسألة) (وإن أبان زوجته ثم قذفها بزنا
إضافة إلى حال الزوجية فإن كان بينهما ولد يريد نفيه فله أن ينفيه باللعان وإلا حد
ولم يلاعن) وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يحد ويلحقه الولد ولا يلاعن
وهو قول عطاء لأنها أجنبية فأشبهت سائر الأجنبيات أو إذا لم يكن بينهما ولد ولنا
أن هذا ولد يحلقه نسبه بحكم عقد النكاح فكان له نفيه كما لو كان النكاح باقياً،
ويفارق إذا لم يكن ولد فإنه لا حاجة إلى القذف لكونها أجنبية وتفارق سائر
الأجنبيات فإنه لا يلحقه ولدهن فلا حاجة به إلى قذفهن، وقال عثمان البتي في هذه
المسألة له أن يلاعن وإن لم يكن بينهما ولد وروي عن ابن عباس والحسن لأنه قذف مضاف
إلى حال الزوجية أشبه ما لو كانت زوجته ولنا أنه إذا كان بينهما ولد فيه حاجة إلى
القذف نشرع كما لو قذفها وهي زوجته وإذا لم يكن له ولد فلا حاجة به إليه وقد قذفها
وهي أجنبية فأشبه ما لو لم يضفه إلى حال الزوجية، ومتى لاعنها لنفي ولدها انتفى
وسقط عنه الحد، وفي ثبوت التحريم المؤبد وجهان، وهل له أن يلاعنها قبل وضع الولد؟
فيه وجهان (أحدها) له ذلك لأن من كان له لعانها بعد الوضع كان له لعانها قبله
كالزوجة (والثاني) ليس له ذلك وهو ظاهر قول الخرقي، لأن الولد عنده لا ينتفي في
حال الحمل، ولأن اللعان ههنا إنما يثبت لأجل الولد فلم يجز أن يلاعن إلا بعد تحققه
بوضعه، بخلاف الزوجة فإنه يجوز لعانها مع عدم الولد وهكذا الحكم في نفي الحمر في
النكاح الفاسد (مسألة) (وإن قذفها في نكاح فاسد فهي كالمسألة التي قبلها إن كان
بينهما ولد فله لعانها ونفيه وإن لم يكن بينهما ولد حد ولا لعان بينهما) بهذا قال
الشافعي وقال أبو حنيفة يلحقه الولد وليس له نفيه ولا اللعان لأنها أجنبية أشبهت
سائر الأجنبيات أو إذا لم يكن بينهما ولد ولنا أن هذا ولد يلحقه بحكم عقد النكاح
فكان له نفيه كالنكاح الصحيح.(ج:9\ص:19,18).
v
أما أنواع الإكراه وأحكامه وشروطه:

فللإكراه
أنواع متعددة باعتبارات مختلفة ؛ فيكون في الأفعال ، ويكون في الأقوال، والإكراه في الأفعال نوعان
ملجئ وغير ملجئ.
فأما الملجئ وهو الكامل، فلا يكون للفاعل
إرادة البتة كمن حلف لا يدخل دار زيد مثلاً فقهره من هو أقوى منه وكبَّله وحمله حتى أدخله فيها،
فهذا غير مكلف إجماعًا ولا إثم عليه؛ ولا يحنث عند الجمهور.( 32).
وأما غير
الملجئ وهو الناقص فهو
كمن أكره بضرب وهذا المكره يستطيع الفعل والترك فهو مختار للفعل، ولكن ليس غرضه نفس الفعل وإنما مراده دفع
الضرر عن نفسه. وليس هذا مرادنا فارجع فيه لمظانه.( 33).
وأما الإكراه
في الأقوال:
فقد اتفق
العلماء على صحته وأن من
أكره على قول محرم إكراهاً معتبرًا أن له أن يفتدي نفسه، ولا إثم عليه، والإكراه متصور في سائر الأقوال فمتى
أكره على قول من الأقوال لم يترتب عليه حكم من الأحكام وكان لغوًا .( 34)؛.
وذهب الأحناف
إلى التفريق بين
ما يحتمل الفسخ كالبيع والإجارة فيفسخ، وما لا يحتمل الفسخ كالطلاق والعتاق والنكاح فهو لازم، فمن أكره
على البيع ففعل فهو بالخيار إن شاء أمضى البيع، وإن شاء فسخه ورجع بالمبيع، بخلاف ما لا يحتمل الفسخ (35)وعدم التفريق أنسب وأليق بأصول الشريعة وأدلتها، قال تعالى: "إلا من
أكره وقلبه مطمئن بالإيمان".
قال الشافعي(36) في تقرير الاستدلال بهذه الآية: "أن الله سبحانه وتعالى لما وضع الكفر عمن
تلفظ به حال الإكراه أسقط عنه أحكام الكفر، كذلك سقط عن المكره ما دون الكفر؛ لأن
الأعظم إذا سقط، ما هو دونه من باب أولى".
وعن ابن عباس
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وضع
عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (37).
قال ابن
القيم: (... وعلى هذا
فكلام المكره كله لغو لا عبرة به، وقد دل القرآن على أن من أكره على التكلم بكلمة الكفر على أن الله
سبحانه تجاوز عن المكره فلم يؤاخذه بما أكره عليه وهذا يراد به كلامه قطعًا وأما أفعاله ففيها تفصيل ...
إلى أن قال ... الفرق بين الأقوال والأفعال في الإكراه، أن الأفعال إذا وقعت لم
ترتفع مفسدتها، بل مفسدتها معها بخلاف الأقوال، فإنها يمكن إلغاؤها وجعلها بمنزلة
أقوال النائم والمجنون، فمفسدة الفعل الذي لا يباح بالإكراه ثابتة بخلاف مفسدة
القول، فإنها تثبت إذا كان قائله عالما به مختارًا له)(38).
إذا تقرر هذا
فاعلم أن الإكراه يكون
بحق وبغير حق، فأما الإكراه بغير حق -اعتداءً وتسلطًا- فهو ما سبق فيه البحث، وأما ما كان بحق فنحو إكراه
الحاكم لشخص ببيع مالِه ليوفي دينه، أو إكراهه موليًا على الطلاق إن أبى الفيئة. فهذا الإكراه غير مانع
من لزوم ما أكره عليه.(39).
مسألة شروط
الإكراه :
ذكر أهل
العلم شروطًا للإكراه منها:
1_ أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب.
2ـــــــ أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به، والعجز عن دفعه أو الهرب منه.
3ـــــــ أن يكون مما يلحق الضرر به.(40).
وهذه الشروط
اتفق على اعتبارها
المالكية، والشافعية، والحنابلة، وزاد بعضهم شروطًا أخرى، والذي يظهر أن تحديد الإكراه عائد لما يراه الحاكم،
والمفتي، فما رأى أنه إكراه أبطله لأن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس(41).
طلاق المكره:
والمراد
الإكراه على الطلاق بغير
حق، هل هو واقع أم لا؟
فذهب مالك
والشافعي وأحمد وداود الظاهري إلى أن طلاقه غير واقع، وقال بهذا القول عمر بن الخطاب وعلي
بن أبي طالب وابن عمر، وابن الزبير، وابن عباس، وجماعة كثيرون.
وذهـب أبـــو
حــنيفة وصاحباه، إلى إيقاع هذا الطلاق، وقال به الشعبي والنخعي والثــوري(42).
وسبب خلافهم
هو هل المكره
مختارٌ أم لا؟ فإن المطلق غير مريدٍ لإيقاع الطلاق، وهو في الوقت ذاته قد اختار أهون الشرين من الطلاق، أو حصول
ما أكره به(43).
استدل الأحناف ومن وافقهم لمذهبهم بما يلي:
1ــــ
ما روي أن رجلاً كان نائمًا فقامت امرأته فأخذت سكينًا فجلست على
صدره فوضعت السكين على حلقه فقالت لَتطلقَنِّي ثلاثًا أو لأذبَحنَّكَ فناشدها اللهَ
فأبت، فطلقها ثلاثًا ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: ((لا قيلولة في
الطلاق))(44)..
2ـ ـــ حديث أبي
هريرة مرفوعًا: ((ثلاثٌ جدهن جد، وهزلهن جد:
النكاح والطلاق والرجعة)) (45).
ووجه الاستدلال:
أن
الهازل لم يقصد إيقاع الطلاق، وإنما قصد اللفظ فقط، وقد أوقع طلاقه فدل على أن الطلاق يعتبر
فيه مجرد التلفظ به، فيقاس المكره على الهازل لأنهما قصدا النطق ولم يردا المعنى.(46).
3 ــــــــ ما
روي عن عمر مرفوعًا: أربع مبهمات مقفولات ليس فيهن
رد: النكاح، والطلاق، والعتاق، الصدقة).(47).
4 ـــــــــ حديث حذيفة وأبيه حين حلفهما المشركون فقال
لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم)) .(48).
وجه الاستدلال: أن اليمين حال الطواعية وحال الإكراه
سواء، فعلم أنه لا تأثير للإكراه في نفي الحكم المتعلق
بمجرد اللفظ كالطلاق(49).
5 ــــــــ استدلوا
بأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فينفذ كطلاق غير
المكره.(50).
المناقشة:
1 ــــ أما حديث ((لا
قيلولة في الطلاق)) فضعيف كما ذكرت في تخريجه. قال عنه ابن حزم: (هذا
خبر في غاية السقوط (51) فيسقط الاستدلال به.
2 ــــــــ وأما
استدلالهم بحديث: ((ثلاث جدهن جد ...)) الحديث. وقياسهم المكره على الهازل، فهو
قياس فاسد، فإن المكره غير قاصد للقول ولا لموجبه، وإنما حمل عليه وأكره على التكلم
به ولم يكره على القصد، وأما الهازل فإنه تكلم باللفظ اختيارًا وقصد به غير موجبه
وهذا ليس إليه بل إلى الشارع، فإن من باشر سبب ذلك باختياره لزمه مسببه ومقتضاه
وإن لم يرده، وأما المكره فإنه لم يرد هذا ولا هذا فقياسه على الهازل غير صحيح.(52).
3 ــــــــ وأما
أثر عمر فإنا لم نعلم سنده، ولم نقف على مخرجه حتى نعلم ثبوته وعلى اعتبار صحته
فإنه محمول على أن من أوقع الطلاق لا يمكنه أن يعود فيه، أما المكره فإنه لم يوقع
الطلاق وإنما تلفظ به تخلصًا من مكرهه. ثم إن الصحيح عن عمر رضي الله عنه إلغاء
طلاق المكره.(53) وأما ما روي أن امرأة استلت
سيفًا فوضعته على بطن زوجها وقالت والله لأنفذنك أو لتطلقني فطلقها ثلاثًا فرفع
ذلك إلى عمر فأمضى طلاقها. فهذا ضعيف لا يثبت عنه رضي الله عنه.(54).
4 ـــــــــ وأما
خبر حذيفة وأبيه -رضي الله عنهما-، وقياس الطلاق
على اليمين باعتبارهما متعلقين بمجرد اللفظ فإن الجواب أن هذا القياس غير صحيح،
فليس الاعتبار في الطلاق خاصًا باللفظ بل لا بد معه من إرادة التكلم بالصيغة والعلم
بمدلولها، ألا ترى أن الشارع لم يمض طلاق النائم والناسي وزائل العقل
(55),وبهذا يظهر الفرق بينهما ولا قياس مع وجود الفارق.
5 ـــــــــ وأما
قولهم هو طلاق من مكلف في محل يملكه فينفذ كطلاق غير المكره، فنقول هذا الدليل
أشبه ما يكون بالمصادرة، فإنه إقرار لتكليف المكره، ثم إنّ قياسكم المكره على غيره
هو في غاية الغرابة يرده ما سنشير إليه من أدلة القول الثاني.
6 ـــــــ وأمَّا قولُهم: إنَّ المكرَه قد نَطق
بلفظٍ فيحاسَب عليه، فالردُّ عليهم أنَّ الله - تبارك وتعالى - لما وَضع الكُفْرَ
عمَّن تلفظ به حالَ الإكراه، وأسقطَ عنه أحكامَ الكفْرِ، كذلك أَسقط عن المكرَه ما
دُون الكفْرِ؛ لأنَّ سقوطَ الأعظمِ دالٌّ على سقوطِ ما هو دونه (56)بلْ مِنْ باب
أَولى.
واستدل الجمهور لقولهم بما يلي:
1 ــــ عن عائشة
رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)) .(57) ومن الإغلاق الإكراه؛ لأن المكره
مغلق عليه أمره وتصرفه.(58).
2 ـــــ حديث علي بن
أبي طالب رضي الله عنه موقوفًا: (كل طلاق
جائز إلاَّ طلاق المعتوه والمكره)(59).
3 ـــــــــ عن
عبد الله بن عـــباس -رضي الله عنهما-
موقوفًا: (ليـس لـمستكــره ولا لـمجنون طـلاق).(60).
4 ــــــــــ عن
ثابت بن الأحنف أنه تزوج أم ولد لعبد الرحمن
بن زيد بن الخطاب قال: فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب فجئته
فدخلت عليه فإذا سياط موضوعة وإذا قيدان من حديد وعبدان له قد أجلسهما وقال لي:
تزوجت أم ولد أبي بغير رضاي، فأنا لا أزال أضربك حتى تموت، ثم قال: طلقها وإلا
فعلت، فقلت هي طالق ألفًا، فلما خرجت من عنده أتيت عبد الله بن عمر فأخبرته، فقال:
ليس هذا بطلاق، إرجع إلى أهلك، فأتيت عبد الله بن الزبير فقال مثل ذلك.(61).
5 ــــــــ ولأنه
قول حمل عليه بغير حق، فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر
إذا أُكره عليها.(62).
هذا
وقد قدمنا الأدلة العامة التي استدل بها الجمهور على
إلغاء طلاق المكره فراجعها.
الترجيح:
يتبين
مما مضى أن الراجح هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من إلغاء طلاق المكره وعدم اعتباره
عملاً بنَصِّ كتابِ الله العزيز، وسُنة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. وذلك
لأمور:
1 ـــــــــ قوة
أدلة الجمهور.
2 ــــــــ ضعف
أدلة الأحناف لما ورد عليها من مناقشة.
3 ـــــــــ أنه
الأليق بأصول الشريعة وقواعدها كما مر معنا. وفيه دفع لمفاسد عظيمة، وإليك ما قاله الشيخ
أحمد الدهلوي -رحمه الله-: (..ثانيهما: أنه لو اعتبر طلاقه –أي المكره– طلاقًا
لكان ذلك فتحًا لباب الإكراه فعسى أن يختطف الجبار الضعيف من حيث لا يعلم الناس
ويخيفه بالسيف ويكرهه على الطلاق إذا رغب في امرأته فلو خيبنا رجاءه وقلبنا عليه
مراده كان ذلك سببًا لترك مظالم الناس فيما بينهم بالإكراه..)(63). اهـ.
هــذا
وقد اختار هــذا القـول جمع من المحققين كابن
تيميـة وابن القيم والشوكاني وغيرهم
-رحمهم الله- .
والله الموفق
والهادي إلى سواء السبيل

الهوامش
(1)
ـــــــ: (مختصر
اختلاف العلماء 2/251.).
(2) ــــــــ:
(السنن الكبرى للبيهقي 7/111).
(3) ـــــــ:
.(الحاوي 9/57-58، المغني 9/347).
(4) ـــــــ:
( بداية المجتهد 2/17.).
(5) ـــــ:
(انظر الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/93، القوانين الفقهية ص 200. واشتراط الإمام
مالك الشهادة عند الدخول، وذلك بإعلان النكاح ليخرج عن كونه نكاح سر، قال ابن
القاسم عن مالك: لو زوج ببينة وأمرهم أن يكتموا ذلك لم يجز النكاح؛ لأنه سر، وإن
تزوج ببينة من غير استسرار جاز وأشهدا فيما يستقبلان. الذخيرة للقرافي 4/398،
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3/79، شرح الزرقاني على موطأ مالك 3/188.
(6) ـــــ:
( الدارقطني في سننه 3/226 رقم (23)).
(7) ـــــ:
( رواه الطبراني في الكبير 11/155 رقم (11343) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد
4/286: "وفي إسناده الربيع بن بدر وهو متروك".).
(8) ــــــ:
( رواه البيهقي في السنن الكبرى 6/125، والدارقطني 3/225 رقم (24)، قال الهيثمي في
مجمع الزوائد 4/286-287: "فيه عبد الله بن محرز وهو متروك".).
(9) ـــــ:
( رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/125).
(10) ــــــ:
( رواه الدارقطني في سننه 3/224 رقم (19), وقال الزيلعي في نصب الراية 3/186:
"وهذا حديث منكر والأشبه أن يكون موضوعاً").
(11) ـــــــ:
.( رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/125).
(12) ـــــ:
( رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/126, ، وقال البيهقي: "هذا إسناد صحيح وابن
المسيب كان يقال له: رواية عمر، وكان ابن عمر يرسل إليه فيسأله عن بعض شأن عمر
وأمره" ,وذكر ابن التركماني في الجوهر النقي 7/126 أن ابن المسيب لم يثبت
سماعه من عمر، وابن مالك أنكر سماعه منه.).
(13) ــــــ:
( رواه الإمام مالك في الموطأ 2/535 رقم (1114)، والبيهقي في السنن الكبرى 7/126).
(14) ــــ:
(( السنن الكبرى للبيهقي 7/111.).
(15) ـــــ:
( شرح الزركشي 5/23.).
(16) ــــــ:
( ابن قدامة في المغني 9/347).
(17) ــــــ:
( التمهيد 19/89.).
(18) ـــــ:
( نصب الراية 3/167.).
(19) ـــــ:
( مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/35.).
(20) ــــ:
( صحيح ابن حبان 9/386.).
(21) ــــ:
( خلاصة البدر المنير 2/176.).
(22) ــــ:
( تلخيص الحبير 3/156.
(23) ــــ:
(فيض القدير 6/438.).
(24) ــــ:
(سنن الترمذي 3/411.)).
(25) ــــ:
(الذخيرة 4/398.).
(26) ــــ:
(الحاوي 9/58.).
(27) ــــ:
(الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/93).
(28) ـــــ:
( رواه الإمام مسلم في صحيحه 2/1045 رقم (1365)).
(29) ــــ:
(المغني 9/348.).
(30) ــــ:
( رواه الإمام مالك في المدونة الكبرى 4/193).
(31) ـــ:
( المصنف 6/188 رقم (10452).
32 ــــــــ المستصفى للغزالي (1/91 )، شرح مختصر الروضة (1/194)؛
وانظر: المدخل إلى مذهب الإمام
أحمد بن حنبل ص (58)؛
33
ــــ روضة الناظر وشرحها (1/142)؛ جامع العلوم
والحكم ص (375)؛ منظومة القواعد الفقهية وشرحها لابن سعدي ص (33)؛.
34 ـــــ جامع
العلوم والحكم ص (376)
بتصرف واختصار. وانظر: زاد المعاد (5/205)؛ مذكرة أصول الفقه ص (33)؛ المنتقى من الفوائد ص (148) ؛ القواعد
الفقهية لابن سعدي ص (32).
35 ــــــ تكملة
فتح القدير، والعناية والكفاية (8/166).
فائدة : نظم
ابن كمال الهمام ما يثبت مع الإكراه فقال :
يصح مع
الإكراه عتقٌ ورجعةٌ *** نكاحٌ وإيـلاءٌ طلاقٌ مفارقي
وفيءٌ ظهارٌ
واليمـين ونـذره *** وعفوٌ لقتلٍ شابَ عَنهُ مفارقي
انظر : فتح
القدير (3/344) ؛ وانظر في ذلك : الدر المختار (2/421) ؛ وحاشيته
(2/423) وتجد نظمًا آخر.
36 ـــــــ الأم له. ونقله عنه المزني في مختصره، وهو أيضًا في أحكام القرآن له
ونقله الصنعاني في سبله (3/370.
37 ــــــ أخرجه
الدارقطني (497) ؛ وابن حبان
(360) ؛ والحاكم (2/198) وصححه ووافقه الذهبي ؛ وأخرجه ابن ماجة كتاب الطلاق باب طلاق المكره والناسي برقم
(2045) لكن سنده منقطع وفي الباب عن ابن عمر وعقبة بن عامر وثوبان كما في نصب الراية (2/65) ؛ وجامع
العلوم والحكم ص (371) والغالب فيها
الضعف لكنها تتقوى بطرقها قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص (230 ): (ومجموع هذه الطرق يظهر أنّ للحديث أصلاً) اهـ. وقال
الشنقيطي في مذكرته ص (33) : (وقد تلقاه
العلماء بالقبول، وله شواهد ثابتة في الكتاب والسنة) اهـ. وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل (82). وفي
صحيح سنن ابن ماجة (1/348) برقم (1664).
38 ـــــــ زاد المعاد
(5/205، 206)؛ وقد أطال ابن
حزم في المحلى (10/202) في الرد عليهم فارجع إليه.
39 ـــــــ جامع
العلوم والحكم ص (377)؛ فتح القدير (3/344)؛ الشرح الكبير للدردير (2/367)؛ المهذب
(1/78)؛ كشاف القناع (5/235)؛ المغني (10/351.
40 ــــــ الشرح
الكبير (2/367)؛ بداية المجتهد (2/61)؛ المهذب (1/78)؛ مغني المحتاج (3/279)؛ المغني
(10/353)؛ الكشاف (5/236).
41 ــــــــ انظر:
الكفاية (8/168)؛ والمغني (10/353)؛ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة (33/110)؛ والقواعد لابن رجب
(323) القاعدة الحادية والخمسون بعد المائة.
والقواعد والأصول الجامعة لابن سعدي ص (109). وقد نبه على هذا ابن القيم في إعلامه (3/108).
42 ــــــ فتح
القدير. الكفاية والعناية (3/344) ؛ الدر المختار
مع حاشيته لابن عابدين (2/421) ؛ اللباب شرح الكتاب (3/45 )، (4/112) ؛ والشرح الكبير
مع حاشيته للدسوقي (2/367) ؛ بداية المجتهد (2/61) ؛ المهذب (2/78) ؛ مغني المحتاج (3/289) زاد المحتاج
للكوهجي (3/357) ؛ المغني (10/350) ؛ كشاف القناع (5/235) ؛ المحلى (10/202) ؛ والفقه الإسلامي وأدلته للرحيلي (7/367). الإمام داود وأثره
لعارف أبو عبيد ص (651). الأحكام الفقهية في المذاهب الأربعة لعساف (2/356.
43ـــــــ بداية
المجتهد (2/61) ؛ فتح القدير (3/344) ؛ جامع العلوم والحكم ص (375.
44 ـــــــ أخرجه
العقيلي كما في نصب الراية (3/222) ؛ وابن حزم في المحلى (10/203) متصلاً وفي سنده بقية بن الوليد وهو
مدلس وقد عنعن،
وروي مرسلاً وليس فيه بقية وفي المتصل والمرسل الغازي بن جبلة قال البخاري : حديثه منكر في طلاق المكره
وكذا قال أبو حاتم : انظر لسان الميزان (4/479) ؛ الكامل لابن
عدي (6/9) نصب الراية (3/222.
45 ـــــ أخرجه
أبو داود في سننه كتاب الطلاق باب الطلاق على الهزل رقم (2194) ؛ والترمذي في جامعه
كتاب الطلاق باب ما جاء في الجد والهزل رقم (1184) ؛ وابن ماجة في سننه كتاب الطلاق
باب من طلق أو نكح أو راجع لاعبًا رقم (2039) ؛ والحاكم في مستدركه كتاب الطلاق
(4/18) وفي سنده عبد الرحمن بن حبيب قال عنه النسائي منكر الحديث. ذكره ابن حبان في
الثقات وقال الحاكم من ثقات المدنيين التهذيب (6/144، 145) ؛ الكاشف (2/143) وقال
عنه ابن حجر لين الحديث ؛ التقريب (1/476) وفي الباب عن فضالة بن عبيد وعبادة بن
الصامت وأبي ذر. انظر : تلخيص الحبير
(3/236) ؛ مختصر البدر المنير ص (213) ؛ التعليق المغني (4/19) وغالبها ضعاف لكنها تتقوى بطرقها وحسن الحديث الترمذي
وابن حجر والألباني في إرواء الغليل (1826) وصحيح سنن ابن ماجة برقم (1658.
46 ــــــ فتح
القدير (3/344) ؛ والعناية بحاشيته ؛ بدائع الصنائع
(3/99.
47 ـــــــ ذكره
ابن كمال الهمام في فتح القدير (3/344) ولم أجد له سندًا فيما وقفت عليه من كتب أهل العلم والله تعالى
أعلم.
48ـــــــ أخرجه
مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب الوفاء بالعهد برقم (1787.
49 ـــــــ فتح
القدير (3/344.
50 ــــــ الهداية
(3/344) ؛ والعناية وحاشية سعدي جلبي (بحاشية الهداية) ؛ وانظر : المغني (10/350.
51 ـــــــ المحلى
(10/204.
52 ـــــ تهذيب
السنن لابن القيم (6/188) بحاشية عون المعبود باختصار. وانظر : إعلام الموقعين (3/108 )؛
زاد المعاد (5/204) ؛ وإغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ص (50-61.
53 ــــ زاد
المعاد (5/206-209) ؛ المحلى (10/202، 203) ؛ وانظر : نصب الراية (3/223، 224.
54 ـــــ أخرجه
سعيد بن منصور كما في زاد المعاد (5/ 208) وفي إسناده فرج بن فضالة ضعفه الدارقطني وقال ابن حبان
يقلب الأسانيد ويلزق المتون
الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به. الكاشف (2/326) ؛ والتهذيب (8/234، 235.
55 ـــــــ زاد
المعاد (5/204، 205) ؛ حكم طلاق الغضبان ص (46، 61، 67) ؛ وانظر : المحلى (10/205.
56 ـــــــ على
حد عبارة الإمام الشافعي التي رواها عنه العلماء ("سبل السلام" جـ 2 ص
177).
57 ــــــ أخرجه
أحمد في مسنده (6/276) ؛ وأبو داود في سننه كتاب الطلاق باب في الطلاق على غضب رقم (2193 )، وابن
ماجة في سننه كتاب الطلاق باب طلاق المكره رقم (2046) ؛ والحاكم في
مستدركه كتاب الطلاق باب لا طلاق في إغلاق (2/198) ؛ والدارقطني في سننه (4/36) وفي سنده محمد بن عبيد بن أبي
صالح، وقد وقع في سنن ابن ماجة عبيد بن أبي صالح وهو خطأ كما نبه عليه الحافظ ابن
حجر في تهذيب التهذيب (7/63) وتقريبه
(1/543) ومحمد هذا ضعيف، وقد تابعه زكريا بن إسحاق ومحمد بن عثمان كما عند الدارقطني والبيهقي والحاكم
إلا أن الراوي عنهم قزعة بن سويد وهو ضعيف كما في التقريب (2/126) والتهذيب (8/336) وفي الحديث ابن
إسحاق وهو مدلس وقد عنعن، انظر : مراتب
الموصوفين بالتدليس ص (132) وتابعه عبد الله بن سعيد الأموي كما عند الحاكم وهو ثقة من رجال الشيخين كما في
التقريب (1/420). فالحديث حسن إن شاء الله تعالى وقد رمز السيوطي لحسنه كما في الجامع الصغير رقم (9905).
وحسنه المحدث الألباني في إروائه (2047) وفي صحيح سنن ابن ماجة (१६६५।
58ـــــ الإغلاق في أصل اللغة بمعنى الحبس والإقفال يقال غَلَق الباب وغلَّقه। قال تعالى: "وغلَّقت الأبواب" والتضييق والتعسّر أيضًا يقال استغلق الباب أي عَسُرَ فتحه। وهذه المعاني المرادة في الحديث، فالمراد انسداد باب العلم والقصد فيضيق صدره ويتعسر عليه تفكيره ويقفل عنه باب الإرادة وهي المرادة في اللغة كما فسرها به صاحب اللسان.
59 ــــــ أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا مجزومًا به في كتاب الطلاق باب الطلاق في الإغلاق والمكره والسكران، قال الحافظ
في الفتح (9/305) وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن
عابس بن ربيعة أن عليًا قال॥ فذكره، وهكذا أخرجه سعيد بن منصور عن جماعة من أصحاب الأعمش عنه، وصرح في بعضها بسماع عابس بن ربيعة من علي.اهـ.
60 ــــــــ أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا مجزومًا به، في كتاب الطلاق باب الطلاق في الإغلاق والمكره
والسكران، قال الحافظ في الفتح (9/303) وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور جميعًا عن هشيم عن عبد الله بن طلحة الخزاعي عن أبي يزيد المزني عن عكرمة عن ابن عباس.اهـ.
61 ـــــــ أخرجه مالك في الموطأ كتاب الطلاق باب جامع الطلاق ص (376) برقم (1245) وإسناده صحيح.
62 ـــــــ المغني (10/351)؛ زاد المعاد (5/204.
63 ــــــــ حجة الله البالغة (2/138). .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .

بحث وجمع وتحقيق : إسحاق بن موسى بن الشيخ سيديا
كان الله تعالى لهم بمنه
وفضله وكرمه وليا ونصيرا ــــــ آمين ــــــــ




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق